محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله الحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب (الجامع الصحيح) المعروف بصحيح البخاري، ولد في بخارى سنة (194هـ) ونشأ يتيمًا، وقام برحلة طويلة (سنة 210هـ) في طلب الحديث، فزار خراسان والعراق ومصر والشام، وأقام في بخارى، فتعصب عليه جماعة ورموه بالتهم، وأخرج إلى خرتنك (من قرى سمرقند) فمات فيها سنة (256هـ).
يعرف الكتاب باسم «التاريخ الأوسط» وهذا وصف له أطلقه عليه غير البخاري، وأن أقرب اسم للكتاب هو الذي ذكره البخاري في بداية كتابه،وهو «التاريخ في معرفة رواة الحديث ونقلة الآثار والسنن وتمييز ثقاتهم من ضعفائهم وأخبارهم وتاريخ وفاتهم». وقيل: أن التاريخين "الأوسط والصغير " كتاب واحد؛ لكنه قول لم تتوافر أدلته.
يُعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي اهتمّت بالترجمة لرواة الأخبار، وقد اهتم فيه البخاري بذكر السماعات، وإثبات الاتصال من عدمه، تعويلًا على ما ورد بالأسانيد الصحيحة، وقد افتتحه المصنف بذكر شيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واسمه ونسبه، ثم رتب الرواة بعد ذلك على حسب حروف المعجم، مع تقديم المحمدين، غير أنه لم يهتم إلا بالاسم الأول والثاني للمترجم، كما أورد في كتابه قسمًا خاصًّا بالكنى.
هذا كتاب من أهم كتب الجرح والتعديل والتراجم، وقد رتبه المصنف على وفق حروف المعجم، وذيله بباب الكنى، وقد ابتعد فيه المصنف عن الإطالة وكثرة الأخبار؛ فهو لا يترجم إلا لهدف محدد هو خدمة الحديث ليقوي سندًا أو يضعفه أو ليدفع المحدث ليتحمل مسئولية البحث والنظر، وإذا تيسر أن يسوق إليك الحكم عن الرجل رواية دفعها إليك في صدق وأمانة، بل إنه كثيرًا ما يكون الراوي ضعيفًا فيكتفي بقوله: «فيه نظر».
كتاب جمع فيه المصنف جلَّ الآداب التي أمر بها وحبب فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها ما هو واجب ومنها ما هو دون ذلك، وأيضا الأمور المنهي عنها كالنهي عن كثرة الضحك والظلم والكذب، وهو لا يقسم كتابه هذا إلى عدة كتب ثم إلى أبواب كما يفعل في الصحيح ولكنها أبواب مختلفة وكل باب يندرج تحته عدة أحاديث، وأحيانًا يفعل كما يفعل في الصحيح من إيراد الحديث في أكثر من موضع، وقد ضمَّن الكتاب أيضًا بعض أقوال الصحابة والتابعين.
أراد المؤلف رحمه الله أن يجمع كتابًا مسندًا مختصرًا مشتملًا على الصحيح المسند من حديث رسول الله ( وسننه وأيامه دفعه إلى ذلك ما بينه بقوله: " كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله (، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح " فقام بانتقاء هذه المادة من ستمائة ألف حديث، واستغرق ذلك منه ستة عشرة سنة. وقد تحصل له من خلال نقده لهذه المرويات الضخمة، بشروطه التي اشترطها(7167) نصًا مسندًا تمثل أصح الصحيح لأنه قد أضاف إلى ما اشترط في حد الصحيح تحقق اللقاء بين كل راو ومن فوقه, والتزم هذا. ثم رتب هذه المادة ترتيبًا عجبًا في كتب تندرج تحتها أبواب، وتحت كل باب عدد من النصوص يقل أو يكثر حسبما يتفنن المؤلف في إيراد ذلك. وقد انعقد إجماع الأمة على أن التراجم التي وضعها الإمام البخاري في كتابه نمت عن فهم عميق ونظر دقيق في معاني النصوص، حتى اشتهر بين أهل العلم قولهم: " فقه البخاري في تراجمه ". وتناول المؤلف في هذا الكتاب سائر أحكام الشرع؛ العملية والاعتقادية. وقد أتت مادة الكتاب مقسمة على(97) كتابًا بدأها بكتاب بدأ الوحي، فكتاب الإيمان، فكتاب العلم، ثم دخل في كتب العبادات الوضوء..إلخ، وختم الكتاب بكتاب التوحيد يسبقه كتاب الاعتصام بالسنة. وهو بهذا الترتيب العجيب يشير إلى أن الوحي هو طريق الشرع، والإيمان به عن علم مع تطبيق الأحكام التي أتى بها الشرع، يفضي بالمسلم إلى تمسكه بالسنة، وتحصيله للتوحيد الحق.
- هو أول كتاب أٌلِّف في الصحيح المجرد، ابتدأ البخاري تأليفه بالحرم الشريف، ولبث في تصنيفه ستة عشر عاما، وما كان يضع فيه حديثا إلا بعد استكمال سبل البحث فيه سندا ومتنا للتأكد من صحته، ثم يغتسل ويصلي ركعتين، ويستخير الله في وضعه في كتابه. وبعد أن انتهى منه عرضه على علماء عصره، فوافقوه على صحة أحاديثه عدا أربعة أحاديث تفاوتت وجهات نظرهم فيها. وقد قال المحققون من أهل العلم إن الصواب في ذلك إلى جانب الإمام البخاري، فكل ما في كتابه صحيح، وقد تلقته الأمة بالقبول جيلا بعد جيل، وأجمعوا عليه، وعلى أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. - قصد البخاري إلى جمع الصحيح دون غيره، واشترط أن يكون كل راوٍ في سند الحديث قد عاصر شيخه فيه وثبت أنه لقيه ولو مرة واحدة حتى يحكم باتصاله، بالإضافة إلى العدالة والضبط والسلامة من الشذوذ والسلامة من العلة القادحة، كما هو معروف في شروط الحديث الصحيح. وقد انتقى البخاري صحيحه من عدد كبير من الأحاديث الصحيحة راميا إلى الاختصار، ولهذا فإنه لم يستوعب كل الحديث الصحيح لئلا يطول الكتاب، قال البخاري: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ولم أُخرِّج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر، وخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله سبحانه».