الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)
.كتاب عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة: ابن الأم فإذا رأيت الروم فلا تبق عليهم فقال خالد: والله لأسيرن إليهم ثم أخذ اهبته للمسير وعزم أن يسير وحده فركب معه ثلثمائة فارس من فتيان حمير فساروا يومهم ذلك اجمع وارادوا النزول في الأودية ليعلفوا دوابهم ويسيروا ليلتهم إذ نظر خالد بن سعيد إلى أشباح على ذروة جبل هناك عال منيع فقال لأصحابه: إني أرى أشباحا على ذروة هذا الجبل ونحن في هذا الوادي ثم قال كونوا في اماكنكم ثم نزل عن فرسه وتقلد سيفه والتحف بازاره وقال: اعلموا أن القوم ما علموا بنا ولو نظروا إلينا ما ثبتوا في اماكنهم فمن منكم يبذل نفسه ويصنع كما أصنع قالوا: كلنا لك قال فطافوا في الجبل حتى أشرفوا على القوم وهم في أماكنهم فعند ذلك قال خذوهم بارك الله فيكم فأسرع إليهم المسلمون فقتلوا منهم ثلاثين واسروا أربعة فسألهم خالد بن سعيد فإذا هم من انباط الشام عن حالهم فقالوا: نحن من أهل هذا البقيع والجامعة وكفار القرية وقد عظم علينا دخول العرب إلى بلادنا وقد فزعنا منهم فزعا عظيما وقد هرب أكثرنا إلى الحصون والقلاع وقد اعتصمنا نحن بهذا الجبل لانه ليس في الرستاق أحصن منه فعلونا عليه وانتم كبستمونا قال خالد: فما بلغكم عن جيش الروم قالوا: بأجنادين وهذا البطريق أقبل إلينا ليأخذ الميرة والعلوفة وقد جمعوا له الدواب والبغال والحمير تحمل الميرة وهم مع ذلك خائفون أن تلحقهم خيل العرب وهذا خبر قومنا ولا شك إنهم رحلوا من يومهم قال فلما سمع خالد بن سعيد مقالتهم قال غنيمة للمسلمين ورب الكعبة ثم قال: اللهم انصرنا عليهم ثم سأل على أي طريق سار القوم قالوا: على هذه الطريق التي انتم عليها لانها اوسع الطرق كلها واما الميرة فإنها مجموعة من حول البلاد فلما سمع خالد كلامهم قال لهم: أسلموا فقالوا له: ما نعرف إلا دين الصليب ونحن فلاحين قال فهم خالد بقتلهم فقال رجل من أصحابه دعهم يدلونا على الطريق إلى مسيرة القوم فأجابوهم إلى ذلك وساروا وهم يدلونهم إلى تل عظيم قال فتوافق القوم وهم يحملون دوابهم حول التل ومعهم ستمائة لابس من القوم فلما نظر خالد إلى ذلك قال لأصحابه: اعلموا أن الله قد وعدكم بالنصر على عدوكم وفرض عليكم الجهاد وهذا جيش العدو امامكم فارغبوا في ثواب الله تعالى واسمعوا ما قال الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] وها أنا أحمل فاحملوا ولا يخرج أحد عن صاحبه ثم أن خالدا حمل وحمل أصحابه قال: فلما رأونا استقبلونا وانهزم من كان مع الدواب من الفلاحين وصبرت الخيل لقتالنا ساعة من النهار قال: فبينما ذو الكلاع الحميري يشجع أصحابه ويقول: يا أهل حمير ابواب الجنة فتحت والحور العين قد تزخرفت وإذا بصاحب القوم قد لقيه خالد فعرفه بلامته وحسن زيه قال فاستقبله وصرخ فيه فأرعبه ثم قال: يا لثأر ولدي سعيد وطعنه طعنة صادقة فجندله صريعا كأنه. برج من حديد وما بقى أحد إلا قتل من الروم قال: فلما رأى الروم ذلك ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وقتل منهم ثلثمائة وعشرون فارسا وولى الباقون منهزمين وتركوا الأثقال والبغال والميرة واخذ المسلمون الجميع بعون الله تعالى قال: واطلق سراح الفلاحين وعاد خالد ومن معه بالغنائم والميرة إلى عمرو بن العاص ففرح بسلامتهم وشكر فعلهم وكتب كتابا إلى أبي بكر الصديق وذكر له ما جرى مع الروم وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي رضي الله عنه واخذه وقدم به المدينة وأعطاه أبا بكر الصديق رضي الله عنه فلما قرأه على المسلمين فرحوا وضجوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير ثم أن أبا بكر استخبر عن أبي عبيدة فقال له عامر: إنه قد اشرف على أوائل الشام ولم يجسر على الدخول إليها وانه سمع أن جيوش الملك قد اجتمعت من حول اجنادين وهم أمم لا تحصى وقد خاف على المسلمين أن يتوسط بهم عدوهم. .خالد بن الوليد في الشام: وأما خالد فلما وصل إلى ارض السماوة قال: أيها الناس أن هذه الأرض لا تدخلونها إلا بالماء الكثير لانها قليلة الماء ونحن في جيش عظيم والماء معكم قليل فكيف يكون الأمر فقال له رافع بن عميرة الطائي رضي الله عنه: أيها الأمير إني أشير عليك بما تصنع فقال: يا رافع أرشدك الله بما نصنع ووفقك الله مولانا جل وعلا للخير قال: فأخذ رافع ثلاثين جملا وعطشها سبعة أيام ثم اوردها الماء فلما رويت خرم. أفواهها ثم ركبوا المطايا وجنبوا الخيول وساروا فكانوا كلما نزلوا منزلا أخذوا عشرة من الإبل يشقون بطونها ويأخذون ما يجدون من الماء في بطونها فيجعلونه في حياض الأدم فإذا برد سقوه للخيل وأكلوا اللحم ولم يزالوا كذلك حتى تمت الإبل وفرغ الماء وقطعوا مرحلتين بلا ماء واشرف خالد ومن معه على الهلاك فقال خالد لرافع ابن عميرة: يا رافع قد اشرفنا على الهلاك والتلف أتعرف لنا ماء ننزل فيه. قال الواقدي: وكان رافع رمدت عيناه فقال: أيها الأمير أتاني رمد كما ترى ولكن إذا اشرفتم على ارض سهلة فاعلموني قال: فلما اشرفوا عليها اعلموا رافعا بذلك قال فرفع طرف عمامته عن عينيه وسار على راحلته يضرب يمينا وشمالا والناس من ورائه إلى أن أقبل على شجرة من الأراك فكبر وكبر المسلمون ثم قال: احفروا هنا قال فحفرت العرب واذ الماء قد طلع كالبحر فنزل الناس عليه وشكروا الله تعالى واثنوا عليه وعلى رافع خيرا ثم وردوا الماء وسقوا خيلهم وابلهم ثم جدوا في طلب من انقطع من المسلمين ومعهم القرب بالماء قال فسقوهم فارتجعت قوتهم ثم لحقوا بالجيش وأراحوا أنفسهم ثم في ثاني يوم جدوا في المسير إلى أن بقي بينهم وبين أركة مرحلة واحدة فبينما هم كذلك إذ اشرفوا على حلة عامرة واغنام وابل قد سدت الفضاء والمستوى فأسرع المسلمون إلى الحلة وإذا براع يشرب الخمر والى جانبه رجل من العرب مشدود قال: فتبينه المسلمون وإذا هو عامر بن الطفيل الذي أرسله خالد قال فأقبل خالد ابن الوليد مسرعا حتى وقف عليه فلما رآه تبسم وقال: يا ابن الطفيل كيف كان سبب اسرك قال عامر: أيها الأمير إني اشرفت على هؤلاء القوم في هذه الحلة وقد اصابني الحر والعطش فملت إلى هذا الراعي ليسقيني من اللبن فوجدته يشرب خمرا فقلت له: يا عدو الله أتشرب الخمر وهي محرمة فقال لي: يا مولاي إنها ليس بخمر وإنما هي ماء زلال فانزل كي تراه واستنشق ما في الجفنة فإن كان خمرا فافعل ما بدا لك فلما سمعت كلامه انخت المطية ونزلت عن كورها وجلست على ركبتي في الجفنة وإذا نا بالعبد قد طلبنا بعصا كانت إلى جانبه وضربني على رأسي فشجني شجة موضحة فانقلبت على جانبي فأسرع العبد الي وشدني كتافا واوثقني رباطا وقال لي: أظنك من أصحاب محمد بن عبد الله ولست ادعك من بين يدي أو يقدم سيدي من عند الملك فقلت له: ومن سيدك من العرب فقال القداح بن وائلة وإني عند هذا العبد كلما شرب الخمر حضرني كما ترى والقى علي فضلة من كأسه قال فلما سمع خالد بن الوليد كلام عامر بن الطفيل اشتد به الغضب ومال على العبد وضربه ضربة هائلة فجندله صريعا ونهب المسلمون المال والأغنام والإبل وقلعوا الحلة بما فيها واطلق عامرا وقال له: أين رسالتي يا عامر فقال: يا مولاي هي فى طرف عمامتي لم يعلم بها العبد فقال خالد: انطلق بها يا عامر على بركة الله تعالى قال فركب عامر. وسار يطلب الشام وارتحل خالد من موضعه ذلك فنزل بأركة وهي رأس الأمانة لمن يخرج من العراق وكانت الروم تمسك بها القوافل وكان عليها بطريق من قبل الملك فأغار خالد عليها وأخذ ما كان فيها وتحصن أهلها بحصنها وكان يسكن فيها حكيم من حكماء الروم وقد طالع الكتب القديمة والملاحم فلما رأى المسلمين وجيشهم انتقع لونه وقال اقترب الوقت وحق ديني فقال أهل اركة وكيف ذلك قال أن عندي ملحمة فيها ذكر هؤلاء القوم وأن أول راية تشرف من خيلهم هي الراية المنصورة وقد دنا هلاك الروم فانظروا أن كانت رأيتهم سوداء واميرهم عريض اللحية طويل ضخم بعيد ما بين المنكبين واسع الهيكل في وجهه أثر جدري فهو صاحب جيشهم في الشام وعلى يديه يكون الفتح. قال: فنظر القوم وإذا الراية على رأس خالد وهي كما قال حكيمهم قال: واجتمعوا على بطريقهم وقالوا: له: أنت تعلم أن الحكيم سمعان لا ينطق إلا بالحق والحكمة وقد قال كذا وكذا والذي وصفه لنا رأيناه عيانا ونرى من الرأي أن نعقد بيننا وبين العرب صلحا ونأمن على حريمنا وأنفسنا فلما سمع ذلك بطريقهم قال أخروني إلى غد لارى من الرأي قال فانصرفوا من عنده وبات البطريق يحدث نفسه ويدبر امره وكان عارفا عاقلا خبيرا بالأمور وقال أن أنا خالفتهم خفت أن يسلموني للعرب وقد تحقق أن روبيس سار بجيش عظيم فهزمهم العرب ولم يزل يراود نفسه إلى أن أصبح الصباح فدعا قومه وقال على ماذا عولتم قالوا: عولنا على اننا نقيم الصلح بيننا وبين العرب فقا البطريق أنا واحد منكم مهما فعلتم لا أخالفكم قال فخرج مشايخ أركة إلى خالد وكلموه في الصلح فأجابهم إلى الصلح والان الكلام لهم وتلقاهم بالرحب والسعة ليسمع بذلك أهل السخنة ويبلغ الخبر لأهل قدمه وكان الوالي عليهم بطريق اسمه كوكب فجمع رعيته وقال لهم: بلغني عن هؤلاء العرب إنهم فتحوا أركة والسخنة وأن قومنا يتحدثون بعدلهم وحسن سيرتهم وإنهم لا يطلبون الفساد وهذا حصن مانع لا سبيل لاحد علينا ولكن نخاف على نخلنا وزرعنا وما يضرنا أن نصالح العرب فإن قومنا هم الغالبين فسخنا صلحهم وأن كان العرب ظافرين كنا آمنين قال: ففرح قومه بذلك وهيئوا العلوفة والضيافة حتى خرج خالد رضي الله عنه من اركة ونزل عليهم فخرجوا الهي بالخدمة وصالحهم على ثلثمائة أوقية من الذهب وكتب لهم كتابا بالصلح ثم ارتحل عنها إلى حوران وبلغ عامر بن الطفيل كتاب خالد إلى عبيدة فلما قرأه تبسم وقال: السمع والطاعة لله تعالى ولخليفة رسول الله صلى الله علبه وسلم ثم اعلم المسلمين بعزله وولاية خالد بن الوليد وكان أبو عبيدة وجه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بصرى في أربعة آلاف فارس قال: فسار على فنائها وكان على بصرى بطريق عظيم الشان والقدر عند الملك وعند الروم اسمه روماس وكان قرأ الكتب. السالفة والأخبار الماضية وكان يجتمع إليه الروم من اقصى بلادها ينظرون إلى عظيم خلقته ويسمعون الفاظ حكمته وكانت آهلة بالخلق عامرة بالناس وكان فيها ألف فارس وكان العرب يقصدونا ببضائعهم وتجارتهم من اقصى اليمين وبلاد الحجاز فإذا كان في أيام الموسم ينصب لبطريقهم كرسي ليجلس عليه ويجتمع الناس إليه ويستفيدون من علمه وحكمته فبينما هم قد اجتمعوا إليه وقعت الضجة بقدوم شرحبيل بن حسنة وعسكره فبادر إلى جواده فركبه وصاح في قومه فأجابوه وقال: لا تتحدثوا حتى نسمع كلام القوم وما عندهم ثم سار حتى قرب من شرحبيل بن حسنة وجيشه ونادى يا معشر المسلمين أنا روماس وإني أريد صاحبكم قال فخرج إليه شرحبيل فلما قرب منه قال البطريق من انتم قال شرحبيل: من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي القرشي الهاشمي المنعوت في التوراة والإنجيل فقال روماس ما فعل الله به. فقال شرحبيل: قبضه الله إليه فقال البطريق فمن ولى الأمر بعده قال عتيق بن أبي قحافة بن بكر بن تيم بن مرة فقال روماس وحق ديني لقد أعلم بأنكم على الحق ولا بد لكم أن تملكوا الشام والعراق وأنا اشفق عليكم إذا بتم في جمع يسير ونحن في جمع كثير ولكن ارجعوا إلى بلادكم فأنا لا نتعرض لكم واعلم يا أخا العرب أن أبا بكر هو صاحبي ورفيقي ولو كان حاضرا ما قاتلني فقال شرحبيل لو كن وله أو ابن عمه لما عفا عنه إلا أن يكون من أهل ملته وليس له في الأمر شيء لانه مكلف وقد امره الله أن يجاهدكم ولسنا نبرح عنكم إلا باحدى ثلاث أما أن تدخلوا في ديننا أو تأدوا الجزية أو السيف فقال روماس وحق ما اعتقده من ديني لو كان الأمر الي ما أقاتلكم لاني أعلم إنكم على حق وهؤلاء طواغية الروم وقوم مجتمعون وإني أريد أن ارجع إليهم وانظر ما عندهم فقال شرحبيل ارجع إليهم فلا بد لكم بما ذكرت قال فعاد روماس إلى قومه وجمعهم وقال: يا أهل دين النصراينة وبني ماء المعمودية أن الذي كنتم تعتقدونه في كتبكم من الخروج من بلادكم ودياركم ونهب أموالكم قد قرب وهذا وقته وزمانه ولستم اعظم جيشا من روبيس سار إلى شرذمة من العرب بأرض فلسطين فقتل وقتل من معه وانهزم الباقون ولقد بلغني أن رجلا منهم قد خرج من ارض السماوة صوب العراق اسمه خالد بن الوليد وقد فتح أركة والسخنة وتدمر وحوران وهو عن قريب يحضر إليكم والصواب أن تؤدوا الجزية عن يد إلى هؤلاء العرب وينصرفون عنكم قال فلما سمع قومه ذلك غضبوا وشوشوا وهموا بقتله فقال روماس يا قوم إنما أردت أن أختبركم وأرى حمية دينكم والان دونكم والقوم وأنا في اولكم قال: فرجعت الروم إلى عددها وعديدها وتظاهروا بالدروع البيض وقادوا الجنائب وتهيئوا للحملة فلما رأى شرحبيل بن حسنة ذلك وعظ أصحابه وقال اعلموا رحمكم الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجنة تحت ظلال السيوف وأحب ما قرب إلى الله قطرة دم في سبيل الله أو دمعة جرت في جوف الليل من خشية الله» قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] ثم جمل وحمل المسلمون على جيش بصرى قال عبد الله بن عدى واجتمع علينا العدو وطمعوا فينا وحملوا علينا في اثني عشر ألف فارس من الروم ونحن فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وصبرنا لهم صبر الكرام ولم يزل القتال بيننا وبينهم إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك وقد طمع العدو فينا فرأيت شرحبيل بن حسنة قد رفع يده إلى السماء وهو يقول: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والأكرام اللهم انصرنا على القوم الكافرين قال: فوالله ما استم شرحبيل كلامه ودعاءه حتى جاء النصر من عبد الله العزيز الحكيم وذلك أن القوم داروا بنا فراينا غبرة قد اشرفت علينا من صوب حوران فلما قربت لنا رأينا تحتها سوابق الخيل فلاحت لنا الأعلام الإسلامية والرايات المحمدية وقد سبق إلينا فارسان أحدهما ينادي ويزعق يا شرحبيل يا ابن حسنة ابشر النصر لدين الله أنا الفارس الصنديد والبطل المجيد أنا خالد ابن الوليد والأخر يزعق ويقول: أنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق واشرفت العساكر من كل جانب قال: واشرفت راية العقاب يحملها رافع بن عميرة الطائي قال حدثنا سالم بن عدي عن ورقاء بن حسان العامري عن مسيرة بن مسروق العبسي قال. والله لقد خمدت اصوات الروم عند زعقة خالد رضي الله عنه واقبل المسملون يسلم بعضهم على بعض واقبل شرحبيل بن حسنة إلى خالد بن الوليد وسلم عليه فقال خالد: يا شرحبيل أما علمت أن هذه مينا الشام والعراق وفيها عساكر الروم وبطارقتهم فكيف غررت بنفسك وبمن معك من المسلمين قال: كله بأمر أبي عبيدة فقال خالد: أما أبو عبيدة فإنه رجل خالص النية وليس عنده غائلة الحرب ولا يعلم بمواقعها ثم أمر الناس بالراحة فنزلوا وارتاحوا من اتعابهم فلما كان في اليوم الثاني زحفت جيوش بصرى على المسلمين فقال خالد: أن الروم زحفوا لعلمهم بتعبنا وتعب خيولنا فاركبوا بارك الله فيكم واحملوا على بركة الله تعالى قال: فركب المسملون واخذوا اهبتهم للحرب فجعل من الميمنة رافع بن عميرة الطائي وجعل في الميسرة ضرار بن الأزور وكان غلاما فاتكا في الحرب وجعل على الدرك عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ثم قسم جيش الزحف فجعل على شطره المسيب بن نجيبة الفزاري وعلى الشطر الأخر مذعور بن غانم الاشعري وأمرهم أن يزفوا الخيل إذا حملت قال: وبقي خالد في الوسط وهو يعظ الناس ويوصيهم وقد عزموا على الحملة وإذا بصفوف الروم قد انشقت وخرج من وسطها فارس عظيم الخلقة كثير الزينة يلمع ما عليه من الذهب الأحمر والياقوت فلما توسط الجمعين نادى بلسان عربي كأنه بدوي يا معشر. العرب لا يبرز لي إلا اميركم فأنا صاحب بصرى قال فخرج إليه خالد رضي الله عنه كالاسد الضرغام وقرب منه فقال له البطريق: أنت أمير القوم قال: كذلك يزعمون إني أميرهم ما دمت على طاعة الله ورسوله فإن عصيته فلا إمارة لي عليهم قال البطريق: إني رجل عاقل من عقلاء الروم وملوكهم وأن الحق لا يخفى عن ذي بصيرة واعلم إني قرأت الكتب السابقة والأخبار الماضية فوجدت أن الله تعالى يبعث قرشيا واسمه محمد بن عبد الله قال خالد: والله نبينا قال: انزل عليه الكتاب قال: نعم القرآن قال روماس البطريق أحرم عليكم فيه الخمر قال خالد: نعم من شربها حددناه ومن زنى جلدناه وأن كان محصنا رجمناه قال أفرضت عليكم الصلوات قال: نعم خمس صلوات في اليوم والليلة قال: أفرض عليكم الجهاد قال خالد: لولا ذلك ما جئناكم نبغي قتالكم قال روماس والله إني لاعلم إنكم على الحق وانيأحبكم وحذرت قومي منكم وإني خائف منكم فأبوا فقال خالد: فقل: اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يكون لك ما لنا وعليك ما علينا فقال: إني أسلمت واخاف أن يعجل هؤلاء بقتلي وسلبي حريمي ولكن أنا اسير إلى قومي وارغبهم فلعل الله أن يهديهم فقال خالد: وأن رجعت إلى قومك بغير قتال يكون بيني وبينك خفت عليك ولكنأحمل علي حتى لا يتهموك وبعد ذلك اطلب قومك فحمل بعضهم على بعض وأرى خالد الفريقين ابوابا من الحرب حتى أبهر روماس فقال لخالد: شدد علي الحملة حتى يرى الديرجان فاني خائف عليك من بطريق بعث به الملك يقال له الديرجان فقال خالد: ينصرنا الله عليه ثم شدد على روماس الحملة حتى إنه انهزم من بين يديه إلى قومه فلما وصل إلى قومه قالوا: ما الذي رايت من العرب قال أن العرب اجلاد ما لكم بقتالهم طاقة ولا بد لهم أن يملكوا الشام وما تحت سريري هذا فادخلوا تحت طاعتهم وكونوا مثل اركة والسخنة قال فلما سمعوا كلامه زجروه وأرادوا قتله وقالوا: له: ادخل المدينة والزم قصرك ودعنا لقتال العرب فانصرف روماس وقال لعل الله ينصر خالد ثم أن أهل بصرى ولو عليهم الديرجان وقالوا: إذا فرغنا من المسلمين سرنا معك إلى الملك ونسأله أن ينزع روماس ويوليك علينا قال الديرجان: وما الذي تريدون قالوا: نحمل ونطلب قتال العرب قال فخرج الديرجان وطلب خالدا. فقال عبد الرحمن لخالد يا أمير أنا أخرج إليه فقال دونك يا ابن الصديق فخرج عبد الرحمن وحمل على الديرجان فما لبثوا غير ساعة وقد أحس الديرجان من نفسه بالتقصير فولى منهزما وراح إلى قومه فلما رأوا ذلك منه نزل الرعب في قلوبهم وعلم خالد ما عند القوم من الفزع فحمل وحمل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وحمل المسلمون فلما نظر أهل بصرى إلى حملة المسلمين حملوا وتلاقى الفريقان. وضجت الرهبان بكلمة كفرهم فقال شرحبيل بن حسنة: اللهم أن هؤلاء إليك بلا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك إلا ما نصرت هذا الدين على اعدائك المشركين ثم حملوا حملة واحدة فلم يكن للروم ثبات مع العرب فولى المشركون الأدبار وركنوا إلى الفرار فلما حطوا داخل المدينة اغلقوا الأبواب وتحصنوا بالاسوار ورفعوا الصلبان وعولوا أن يكتبوا للملك ليمدهم بالخيل والرجال قال عبد الله بن رافع فلما تحصنوا رجعنا عنهم وافتقدنا اصحبانا فوجدنا قد قتل منا مائة وثلاثون فارسا وقتل من الأعيان بدريان قال: وغنم المسلمون الأموال وصلى خالد على الشهداء وأمر بدفنهم فلما كان الليل تولى الحرس عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ومعمر بن راشد ومائة من جيش الزحف فبينما هم يدورون حول العسكر وإذا بروماس صاحب بصرى قد اقبل عليهم وقال لهم: أين خالد بن الوليد فاخبروه واتوا به إلى خالد فلما رآه رحب به فقال: أيها الأمير بعد أن فارقتك طردني قومي واقلوا الزم قصرك وإلا قتلناك فلزمت قصري وهو ملاصق للسور ولما وقع لهم ما وقع وانهزموا تحصنوا فلما جن الليل أمرت غلماني بحفر السور وفتحوا فيه بابا فأتيتك فارسل معي من تعتمد عليه من أصحابك تستلمون المدينة فلما سمع خالد هذا الكلام أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يأخذ مائة من المسلمين ويسيروا مع روماس قال ضرور بن الأزور وكنت ممن دخل المدينة فلما صرنا في قصر روماس فتح لنا خزانة السلاح فلبسنا من سلاحهم وقسمنا أربعة اقسام كل جانب خمسة وعشرون رجلا وقال لنا عبد الرحمن إذا سمعتم التكبير فكبروا فلما سرنا حيث امرنا أخذنا أنفسنا بالحملة على القوم. قال الواقدي: بلغني ممن أثق به من الرواة أن عبد الرحمن لما فارق أصحابه لبس سلاحه هو وروماس يطلبون الدرج الذي عليه الديرجان وسار معهم ضرار ورافع وشرحبيل بن حسنة فقال: لا اهلا ولا مرحبا بك ومن الذي معك قال معي صديق لك ومشتاق إلى رؤياك قال: ويحك ومن هو يا روماس قال هذا بن أبي بكر الصديق فلما سمع الديرجان ذلك هم أن يقتله فلم تطاوعه نفسه فحمل عليه عبد الرحمن وهز سيفه في وجهه وضربه على عاتقه فتجندل صريعا يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار قال: وكبر عبد الرحمن فأجابه روماس وسمع أصحابه التكيبر فكبروا من جوانب بصرى قال: واجابتهم الأحجار والاشجار قال: وكبر المسلمون من جوانب بصرى ووضعوا السيف في الروم وسمع خالد التكبير فصرخوا وإذا لغلمان روماس واولاده قد فتحوا لهم الأبواب فعبر خالد ومن معه من المسلمين فلما نظر أهل بصرى إلى الأبواب وقد فتحت بالسيف قهرا ضجوا بأجمعهم يقولون. الأمان الأمان فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: ارفعوا السيف عنهم واقام خالد إلى الصباح واجتمع إليه أهلها وقالوا: يا أيها الأمير لو صالحناك ما جرى شيء من ذلك لكن نسألك بالذي ايدك ونصرك ما الذ ي فتح لك أبواب مدينتنا فاستحى خالد رضي الله عنه أن يقول: فوثب روماس وقال أنا فعلت ذلك يا اعداء الله واعداء رسوله وما فعلته إلا ابتغاء مرضاة الله وجهادا فيكم فقالوا: أولست منا فقال: اللهم لا تجعلني منهم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبالكعبة قبلة وبالقرآن إماما وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال: ففرح خالد بذلك وأما أهل بصرى فغضبوا وأضمروا له شرا وعلم بذلك روماس فقال لخالد: أنا لا أريد المقام عندهم وإني أسير معك حيث سرت فإذا فتح الله على يديك الشام وصار لكم الأمر ردوني إليها لأن الوطن عزيز. قال الواقدي: حدثني معمر بن سالم عن جده قال كان روماس يجاهد معنا جهادا حسنا حتى فتح الله على ايدينا الشام فكان أبو عبيدة يكاتب به عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أيامه فولاه على بصرى فلم يلبث إلا يسيرا حتى توفي رحمه الله وخلف عقبا يذكر به قال: وأمر خالد رجالا يعينونه على أخراج رحله وماله من المدينة ففعلوا ذلك وإذا بزوجته تخاصمه وتطلب فراقه فقال لها المسلمون: ما الذي تريدين قال أريد أمير جيشكم يحكم بيننا فجاؤا بها إلى خالد فقالت له: أنا استغيث بك من روماس فقال لها خالد: وكيف ذلك فقالت: إني كنت البارحة نائمة إذ رايت شخصا ما رأيت منه وجها كأن البدر يطلع من بين عينيه وكأنه يقول: أن المدينة فتحت على يد هؤلاء القوم والشام والعراق فقلت له: ومن أنت يا سيدي قال محمد رسول الله ثم دعاني إلى الإسلام فاسلمت ثم علمني سورتين من القرآن قال فحدث الترجمان خالد بما كان منها فقال أن هذا لعجيب ثم قال خالد للترجمان: قل لها: أن تقرأ السورتين فقرأت الفاتحة وقل هو الله أحد ثم جددت اسلامها على يد خالد بن الوليد وقالت: يا أيها الأمير أما أن يسلم روماس وإلا يتركني أعيش بين المسلمين قال فضحك خالد من قولها وقال سبحان الله الذي وفقنا جميعا ثم قال للترجمان: قل لها: أن روماس اسلم قبلها ففرحت بذلك ثم أن خالدا أحضر أهل بصرى وقررهم على اداء الجزية وولى عليهم من اتفق رأيه عليه ثم كتب إلى أبي عبيدة كتابا يبشره بالفتح ويقول له: يا صاحب رسول الله قد ارتحلنا إلى دمشق فالحقنا إليها ثم كتب كتابا اخر إلى أبي بكر الصديق يخبره برحيله ويقول له: يوم كتبت إليك هذا الكتاب ارتحلت إلى دمشق فادع لنا بالنصر والسلام عليك ومن معك ورحمة الله وبركاته ثم بعث الكتابين كلاهما ثم ارتحل خالد إلى نحو دمشق حتى اشرف على موضع يقال له: الثنية فوقف هناك وركز راية العقاب فسميت بذلك ثنية العقاب ثم ارتحل منها إلى الدير المعروف الآن بدير خالد وكان. أهل السواد قد التجئوا إلى دمشق وقد اجتمعت خلائق وامم لا تحصى من الرجال واما أصحاب الخيل فكانوا اثني عشر الفا وقد زينوا اسوارهم بالطوارق والبيارق والصلبان واقام خالد على الدير ينتظر قدوم المسلمين. قال الواقدي: ووصلت الأخبار إلى الملك هرقل وما فتح خالد من الشام وكيف قدم على دمشق فغضب وجمع البطارقة وقال: يا بني الأصفر لقد قلت لكم وحذرتكم فأبيتم وهؤلاء العرب قد فتحوا اركة وتدمر والسخنة وبصرى وقد توجهوا إلى الربوة ففتحوها فواكرباه لأن دمشق جنة الشام وقد سارت إليها الجيوش وهم اضعاف العرب ثم قال: أيكم يتوجه إلى قتال العرب ويكفيني أمرهم فإن هزمهم اعطيته ما فتحوه ملكا فقال بطريق: من البطارقة أسمه كلوس بن حنا وكان من فرسانهم وقد عرفت شجاعته في عساكر الروم والفرس أيها الملك أنا اكفيك وأردهم على اعقابهم منهزمين قال فلما سمع الملك قوله سلم إليه صليبا من الذهب وقدمه على خمسة آلاف فارس وقال له: قدم صليبك أمامك فإنه ينصرك قال فأخذه كلوس وسار من يومه من انطاكية إلى أن وصل حمص فوجدها مزينة بالسلاح فلما بلغ أهلها قدومه خرجوا إلى لقائه وقد خرجت القسس والرهبان واستقبلوه ودعوا له بالنصر وأقام بحمص يوما وليلة ثم ارتحل إلى مدينة بعلبك فخرج إليه النساء لاطمات الخدود وقلن أيها السيد أن العرب فتحوا اركة وحوران وبصرى فقال لهن كيف قدرت العرب على حوران وبصرى فقلن أيها السيد أن الذين ذكرتهم لم يبرحوا من أماكنهم وأن هذا الرجل قد أقبل من العراق وهو الذي فتح أركة فقال: وما اسمه قلن خالد بن الوليد قال في كم يكون من العساكر قلن في ألف وخمسمائة فارس فقال: وحق المسيح لاجعلن رأسه على رأس سناني ثم رحل فلم ينزل إلا بدمشق وكان واليها بطريقا من قبل الملك هرقل اسمه عزازير فلما قدم كلوس اجتمع عليه عزازير وأصحابه وقرأوا عليهم منشور الملك ثم قال لهم: أتريدون أن أقاتل عدوكم وأصده عن بلادكم قالوا: نعم فقال اخرجوا عزازير عنكم حتى أكون وحدي في هذا الأمر فقالوا: أيها السيد وكيف ينبغي أن يخرج صاحبنا من بلدنا وهذا العدو قاصد إلينا قال فغضب عزازير في وجه كلوس من كلامه وقد اتفق رأيهم على أن كل واحد يقاتل العرب يوما فثبتت عداوة عزازير في قلب كلوس. قال الواقدي: ولقد بلغني إنهم كانوا يخرجون كل يوم من باب الجابية مقدار فرسخ ينظرون قدوم أبي عبيدة بن الجراح فلم يشعروا حتى قدم إليهم خالد بن الوليد من نحو الثنية قال حدثنا يسار بن محمد قال أخبرنا رفاعة بن مسلم قال كنت في جيش خالد بن الوليد لما نزل على الدير المعروف به وإذا بجيش الروم قد زحف علينا وهو. كالجراد المنتشر فلما نظر خالد ذلك تدرع بدرع مسلمة ثم صرخ في وجه المسلمين وقال هذا يوم ما بعده يوم وهذا العدو قد زحف بخيله فدونكم والجهاد فانصروا الله ينصركم وكونوا ممن باع نفسه لله عز وجل وكأنكم باخوانكم المسلمين قدموا عليكم مع أبي عبيدة بن الجراح ثم بعد ذلك استقبل الجيش وصرخ بملء رأسه فأرعب المشركين من صرخته وحمل شرحبيل بن حسنة وعبد الرحمن بن أبي بكر وضرار بن الأزور ومذ حمل ضرار لم يول عنهم بل قتل من الميمنة خمسة فرسان ومن الميسرة كذلك ثم حمل ثاني مرة فقتل منهم ستة فرسان ولولا سهام القوم لما رد عن قتالهم فشكره خالد بن الوليد وقال لعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه: أحمل بارك الله فيك قال فحمل عبد الرحمن وفعل كما فعل ضرار بن الأزور وقاتل قتالا شديدا ثم حمل من بعده خالد بن الوليد ورفع رمحه ورأى العسكر من أمور الحرب حتى جزع الروم من شجاعته فلما نظر إليه البطريق كلوس علم إنه أمير الجيش وعلم إنه يقصده فتأخر كلوس إلى ورائه من مخافته فلما نظر خالد إلى قهقرة كلوس إلى ورائه حمل عليه ليرده فوقعت عليه البطارقة ورموه بالسهام فلم يلتفت إليهم خالد ولم يعبأ بهم ولم يرجع حتى قتل عشرين ثم انثنى بجواده بين الصفين وجال بجواده بين الفريقين وطلب البراز فلم يجبهأحد وقالوا: أخرجوا غيره منكم فقال: ويلكم ها أنا رجل واحد من العرب وكلنا في الحرب سواء فما منهم من فهم كلامه فأقبل عزازير على كلوس وقال أليس الملك قد قدمك علي جيشه وبعثك إلى قتال العرب فدونك حام عن بلدك ورعيتك. فقال كلوس أنت أحق مني بذلك لأنك أقدم مني وقد عزمت إنك لا تخرج إلا باذن الملك هرقل فما بالك لا تخرج إلى قتال أمير العرب فقال لهما العساكر تقارعا فمن وقعت عليه القرعة فلينزل إلى قتال أمير العرب فقال كلوس لا بل نحمل جميعا فهو أهيب لنا قال: وخاف كلوس أن يبلغ الملك ذلك فيطرده من عنده أو يقتله قال فتقارعا فوقعت القرعة على كلوس فقال عزازير اخرج وبين شجاعتك فقال كلوس لأصحابه أريد أن تكون همتكم عندي فإن رأيتم مني تقصيرا فاحملوا وخلصوني فقال لأصحابه: هذا كلام عاجز لا يفلح أبدا فقال: يا قوم أن الرجل بدوي ولغته غير لغتي فخرج معه رجل أسمه جرجيس وقال له: أنا أترجم لك فسار معه فقال كلوس اعلم يا جرجيس أن هذا رجل ذو شجاعة فإن رأيته غلبني فاحمل أنت عليه حتى نقضي يومنا معه ويخرج له غدا عزازير فيقتله ونستريح منه وأتخذك أنا صديقي فقال له: ما أنا أهل حرب وإنما أخوفه بالكلام قال فسكت وسارا حتى قربا من خالد فنظر إليهما قال فهم أن يخرج إليهما رافع بن عميرة فصاح فيه خالد قال: مكانك لا تبرح فاني كفء لهما فلما دنوا من خالد قال كلوس لصاحبه قل له: من أنت وما تريد وخوفه من. سطواتنا فقرب جرجيس من خالد قال له: يا أخا العرب أنا اضرب لك مثلا أن مثلكم ومثلنا كمثل رجل له غنم فسلمها إلى راع وكان الراعي قليل الجرأة على الوحوش فأقبل عليه سبع عظيم فجعل يلتقط منه كل ليلة رأسا إلى أن انقضت الأغنام والسبع ضار عليها ولم يجد له مانعا عنها فلما نظر صاحب الغنم ما حل بغنمه علم إنه لم يؤت إلا من الراعي فانتدب لغنمه غلاما نجيبا فسلمه الغنم فكان كل ليلة يكثر الطوفان حول الغنم فبينما الغلام كذلك إذ أقبل عليه السبع على عادته الأصلية واخترق الغنم فهجم الغلام على السبع وبيده منجل فضربه فقتله ولم يقرب الغنم وحش بعدها وكذلك انتم نتهاون بأمركم لانه ما كان أضعف منكم لانكم جياع مساكين ضعفاء وتعودتم أكل الذرة والشعير ومص النوى فلما خرجتم إلى بلادنا وأكلتم طعامنا وفعلتم ما فعلتم وقد بعث لكم الملك رجالا لا تقاس بالرجال ولا تكترث بالأبطال ولا سيما هذا الرجل الذي بجانبي فاحذر منه أن ينزل بك ما انزل الغلام بالاسد وقد سألني أن أخرج إليك واتلطف بك في الكلام فأخبرني ما الذي تريد قبل أن يهجم عليك هذا الفارس فلما سمع خالد منه ذلك قال: يا عدو الله والله لا نحسبكم عندنا في الحرب إلا كقابض الطير بشبكة وقد قبضتها يمينا وشمالا فلم يخرج إلا ما انفلت منه وأما ما ذكرت من بلادنا وإنها بلاد قحط وجوع فالأمر كذلك إلا أن الله تعالى ابدلنا ما هو خير منه فأبدلنا بدل الذرة الحنطة والفواكه والسمن والعسل وهذا كله قد رضيه لنا ربنا ووعدنا به على لسان نبيه وأما قولك ما الذي تريدونه منا فنريد منكم أحدى ثلاث خصال أما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو القتال وأما قولك أن هذا الرجل الذليل الذي هو عندكم مسكين فهو عندنا أقل القليل وأن يكن هو ركن الملك فأنا ركن الإسلام أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد أنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. |