الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.عصيان الرها. ولما قتل الأتابك زنكي ملك الرها جوسكين كان جوسكين مقيما في ولايته بتل باشر وما جاورها فراسل أهل الرها وعامتهم من الارمن وحملهم على العصيان على المسلمين وتسليم البلد له فأجابوه وواعدوه ليوم عينوه فسار في عساكره وملك البلد وامتنعت القلعة وبلغ الخبر إلى نور الدين محمود وهو بحلب فأغذ السير إليها وأجفل جوسكين إلى بلده ونهب نور الدين المدينة وسبا أهلها وارتحلوا عنها وبعث سيف الدين غازي العساكر إليها فبلغهم في طريقهم ما فعله نور الدين فعادوا وذلك سنة إحدى وأربعين ثم قصد صاحب دمشق بعد قتل الأتابك حصن بعلبك وبه نجم الدين أيوب بن شادي نائب الأتابك فابطأ عليه انجاد بنيه فصالح صاحب دمشق وسلم له بعلبك على اقطاع ومال أعطاه اياه وعشر قرى من بلاد دمشق وانتقل معه إلى دمشق فسكنها وأقام بها ثم سار نور الدين محمود سنة اثنتين وأربعين من حلب إلى الافرنج ففتح مدينة ارتاج عنوة وحاصر حصونا أخرى وكان الافرنج بعد قتل الأتابك يظنون أنهم يستردون ما أخذه منهم فبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ولما قتل الأتابك زنكي طمع صاحب ماردين وصاحب كيفا أن يستردوا ما أخذ من بلادهم فلما تمكن سيف الدين غازي سار إلى أعمال ديار بكر فملك دارا وغيرها وتقدم إلى ماردين وحاصرها وعاث في نواحيها حتى ترحم صاحبها حسام الدين تمرتاش على الأتابك مع عداوته ثم أرسل إلى سيف الدين غازي وصالحه وزوجه بنته فعاد إلى الموصل وزفت إليه وهو مريض فهلك قبل زفافها وتزوجها أخوه قطب الدين من بعده والله أعلم..مصاهرة سيف الدين غازي لصاحب دمشق وهزيمة نور الدين محمود للإفرنج. كان تقدم لنا في دولة بني طغركين موالى دقاق بن تتش أن ملك اللمان من الإفرنج سار سنة ثلاث وأربعين وحاصر دمشق بجموع الإفرنج وبها محي الدين ارتق بن بوري بن محمد بن كغركين في كفالة معين الدين أنز مولى فبعث معين الدين إلى سيف الدين غازي بن أتابك زنكي بالموصل يدعوه إلى نصرة المسلمين فجمع عساكره وسار إلى الشام واستدعى أخاه نور الدين من حلب ونزلوا على حمص فأخذوا بحجزة الإفرنج عن الحصار وقوي المسلمون بدمشق عليهم وبعث معين الدين إلى طائفتي الإفرنج من سكان الشام واللمان الواردين فلم يزل يضرب بينهم وجعل لإفرنج الشام حصن بانياس طعمة على أن يرحلوا بملك اللمانيين ففتلوا له في الذروة والغارب حتى رحل عن دمشق ورجع إلى بلاده وراء قسطنطينية بالشمال وحسن أمر سيف الدين غازي وأخيه في الدفاع عن المسلمين وكان مع ملك اللمان حين خرج إلى الشام ابن ادفونش ملك الجلالقة بالأندلس وكان جده هو الذي ملك طرابلس الشام من المسلمين حين خروج الإفرنج إلى الشأم فلما جاء الآن مع ملك اللمان ملك حصن العريمة وأخذ في منازلة طرابلس ليملكها من القمص فأرسل القمص إلى نور الدين محمود ومعين الدين أنز وهم مجتمعان ببعلبك بعد رحيل ملك اللمانيين عن دمشق وأغراهما بابن ادفونش ملك الجلالقة واستخلاص حصن العريمة من يده فسارا لذلك سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وبعث إلى سيف الدين وهو بحمص فأمدهما بعسكر مع الأمير عز الدين أبي بكر الديسي صاحب جزيرة ابن عمر وحاصروا حصن العريمة أياما ثم نقضوا سوره وملكوه على الإفرنج وأسروا من كان به من الإفرنج ومعهم ابن ادفونش وعاد إلى سيف الدين عسكره ثم بلغ نور الدين إن الإفرنج تجمعوا في بيقو من أرض الشام للاغارة على أعمال حلب فسار إليهم وقتلهم وهزمهم وأثخن فيهم قتلا وأسرا وبعث من غنائمهم وأسراهم إلى أخيه سيف الدين غازي وإلى المقتفي الخليفة انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم..وفاة سيف الدين غازي وملك أخيه قطب الدين مودود. ثم توفي سيف الدين غازي بن الأتابك زنكي صاحب الموصل منتصف أربع وأربعين وخمسمائة لثلاث سنين وشهرين من ولايته وخلف صغيرا ربي عند عمه نور الدين محمود وهلك صغيرا فانقرض عقبه وكان كريما شجاعا متسع المائدة يطعم بكرة وعشية مائة رأس من الغنم في كل نوبة وهو أول من حمل الصنجق على رأسه وأمر بتعليق السيوف بالمناطق وترك التوشح بها وحمل الدبوس في حلقة السرج وبني المدارس للفقهاء والربط للفقراء ولما أنشده حيص بيص الشاعر يمدحه:فوصله بألف مثقال سوى الخلع وغيرها ولما توفي سيف الدين غازي انتقض الوزير جمال الدين وأمير الجيوش زين الجيوس زين الدين علي وجاؤا بقطب الدين مودود وبادروا إلى تمليكه واستخلفوه وحلفوا له وركب إلى دار السلطنة وزين في ركابه فبايعوا له وأطاعه جميع من في أعمال أخيه بالموصل والجزيرة وتزوج الخاتون بنت حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين التي هلك أخوه قبل زفافها فكان ولده كلهم منها والله سبحانه وتعالى أعلم.
|