فصل: ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة

مساءً 1 :27
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم

 ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها أن الرشيد ولَى إسحاق بن سليمان الهاشمي السِّند ومكران واستقصى الرشيد فيها يوسف بن أبي يوسف وأبوه حيّ ‏.‏

وغزا الصائفة عبدُ الملك بن صالح ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج الرشيد إلى البصرة يُريد الحج فزاد في مسجد البصرة مما يلي القبلة وخرج فبدأ بالمدينة فقسم في أهلها مالًا عظيمًا ‏.‏

ووقع الوباء في هذه السنة بمكة فأبطأ عن دخولها ثم دخلها فقضى طوافه وسعيه ولم ينزل مكة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بكر بن مضر بن محمد بن حكيم أبو عبد الملك مولى ربيعة بن شرحبيل بن حسنة وُلد سنة مائة وكان عابدًا وتوفي يوم عرفة من هذه السنة ‏.‏

عبد اللّه بن لَهيعة بن عُقْبة بن فُرغان أبو عبد الرحمن الحَضْرَميُّ ‏.‏

ولد سنة سبع وتسعين ‏.‏

وروى عن مِشْرَح بن هَاعَان وغيره ‏.‏

وكان قاضي مصر وروى عنه‏:‏ الليث وابن المبارك ‏.‏

وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان ضعيفًا ‏.‏

عبد الرحمن بن أبي الزناد يكنى‏:‏ أبا عبد اللّه ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد واسم أبي الزناد‏:‏ عبد اللّه بن ذكوان - مولى رملة بنت شيبة وكنية محمد‏:‏ أبو عبد اللّه المديني ‏.‏

كان يطلب الحديث مع أبيه ولقي عامة شيوخه وكان بينهما في السن سبع عشرة سنة وحديثه قليل روى عنه محمد بن عمر الواقدي ‏.‏

وكان عالمًا بالقراءة والحديث والفرائض والحساب والعروض ‏.‏

توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وخمسين سنة ومات أبوه قبله بإحدى وعشرين ليلة ودفنا في مقابر باب التين ‏.‏

وقيل‏:‏ في مقبرة الخيزران ‏.‏

منصور مولى عيسى بن جعفر ولقبه‏:‏ زلزل فغلب عليه ونُسي اسمه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي الخطيب قال‏:‏ أنشدنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ أنشدنا أبي قال‏:‏ أنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه‏:‏ لو أن زهيرًا وامرأ القيس أبصرا ملاحة ما تحويه بِرْكَةُ زَلْزَل لما وصفا سَلْمَى ولا أم سالم ولا أكثر ذِكْرَ الدخول فحومَل أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أنبأنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس المروزي قال‏:‏ حدَّثني المفضل قال‏:‏ حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال‏:‏ قال لي زلزل‏:‏ عندي جارية من حالها من قصتها قد علّمتها الغناء ‏.‏

فكنت أشتهي أن أراها وأستحي أن أسأله فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرفون الجارية فصرت إليهم فأخرجوها فإذا هي جارية كاد الهزال يكويها لولا ما تم منها ونقص منه فقلت لها‏:‏ غنّي فغنَّت وعيناها تذرفان ثم شهقت ظننت أن نفسها قد خرجت ‏.‏

فركبت من ساعتي فدخلت على أمير المؤمنين فأخبرته خبرها فأمر بإحضارها فلما دخلت عليه قال‏:‏ غنّي ‏.‏

فغنَّت وجعلت تريد البكاء فتمنعها هيبة أمير المؤمنين فرحمها وأعجب بها وقال‏:‏ أتحبين أن أشريك فقالت‏:‏ يا سيدي أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك عليّ والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي ‏.‏

فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقًا ‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أنه قال‏:‏ أتحبين أن أشتريك فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد فينتفع بي‏.‏

فزاد رقة عليها وقال‏:‏ غني صوتًا فغنت‏:‏ العينُ تظهر كتماني وتبديه والقلبُ يكتم ماضمَّنتهُ فيه وكيف ينكتم المكنون بينهما والعين تظهره والقلب يخفيه فاشتراها وأعتقها وأجرى عليها إلى أن مات عابد مصري مبتلى ‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي التوذي قال‏:‏ أخبرنا عمر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدَثنا علي بن الحسين عن موسى بن عيسى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال‏:‏ حدَّثني بعض الحكماء قال‏:‏ خرجت وأنا أريد الرباط حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وإذا هو يقول‏:‏ اللهم إني أحمدك حمدًا يوافي محامد خلقك كفضلك على سائر خلقك إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيَلًا قلت‏:‏ واللّه لأسْألنَّه أعلَمَهُ أم ألهِمَه فدنوت منه فسلمت عليه فردَّ عليَّ السلام فقلت‏:‏ إني سائلك عن شيء تخبرني به قال‏:‏ إن كان عندي منه علم أخبرتك فقلت‏:‏ على أي نعمةٍ من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره قال‏:‏ أليس ترى ما قد صنع بي قلت‏:‏ بلى قال‏:‏ فو اللّه لو أن الله عز وجل صبّ علي السماءَ نارًا فأحرقتني وأمر الجبال فدمرتني وأمر البحار فغرّقتني وأمر الأرض فخسفت بي ما ازددت له إلا حبًا وشكرًا وإن لي إليك حاجة، قلت‏:‏ وما هي ‏.‏

قال‏:‏ كان لي مَنْ يتعاهدني في وقت صلاتي ويطعمني عند إفطاري وقد فقدته منذ أمس انظر إلي هل تحسه لي فقلت‏:‏ إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل إذا سبع قد افترس الغلام فأكله فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت فأتيته فسلَمت عليه فرد عليَ السلام فقلت له‏:‏ إني سائلك عن شيء أتخبرني به قال‏:‏ إن كان عندي منه علم أخبرتك به ‏.‏

قلت‏:‏ أنت أكرم على الله عز وجل منزلة أم أيوب عليه السلام قال‏:‏ بل أيوب عليه السلام كان أكرم على الله عز وجل مني وأعظم منزلة فقلتَ‏:‏ أليس قد ابتلاه فصبر حتى استوحش منه من كان يأنس به وصار غرضًا لمُرار الطريق فقال‏:‏ بلى ‏.‏

قلت‏:‏ إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني خرجت في طلبه حتى إذا كنت بين كثبان رمل إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله فقال‏:‏ الحمد للّه الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا ثم شهق شهقة فمات ‏.‏

فقلت‏:‏ آنا لله وآنا إليه راجعون مَنْ يعينني على غسله وتكفينه ودفنه ‏.‏

فبينا أنا كذلك إذا بركب يريدون الرباط فأشرت إليهم فأقبلوا فقالوا‏:‏ ما أنت وهذا فأخبرتهم بالذي كان من أمره فثنوا رحلهم فغسلناه بماءِ البحر وكفناه بأثواب كانت معهم ووليت الصلاة عليه من بينهم ودفناه في مظلته تلك ومضى القوم إلى رباطهم وبت في مظلته تلك الليلة آنسًا به ‏.‏

فلما مضى من الليل مثل ما بقي إِذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائمًا يتلو الوحي فقلت‏:‏ أليس أنت صاحبي قال‏:‏ بلى قلت‏:‏ فما الذي صيَّرك إلى ما أرى قال‏:‏ وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء ‏.‏

فقال الأوزاعي ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائة

عَقد الرشيد لابنه محمد من بعده ولاية العهد فأخذ له بيعة القواد والجند ببغداد وسماه‏:‏ الأمين وله يومئذ خمس سنين فقدَّمه على المأمون والمأمون أكبر منه لأن أمه زبيدة ‏.‏

وقد روى أبو بكر الصولي قال‏:‏ حدَّثنا سليمان بن داود المهلبي قال‏:‏ حدَثنا القاسم بن محمد بن عباد عن أبيه قال‏:‏ كان الرشيد يقول‏:‏ إني لأتعرف في عبد الله حزم المنصور ونسك المهدي وعزة نفس الهادي فلو أشأ أن أنسبه إلى الرابعة فَيّ لنسبته وإني لأرضى سيرته وأحمد طريقته واستحسن سياسته وأرى قوته وذهنه وأمن ضعفه ووهنه وإني لأقدم محمدًا عليه وأعلم أنه منقاد لهواه متصرف في طريقه مبذر لما حوته يده مشارك للنساءِ والإماء في رأيه ولولا أم جعفر وميل بني هاشم إليه لقدّمت عبد الله عليه ‏.‏

قال الصولي‏:‏ ثم جعل يرى فضل المأمون وعقله فيندم على تقديمه محمدًا فقال‏:‏ لقد بان وجه الرأي لي غير أنني غلبت على الأمر الذي كان أحزما فكيف يردُّ الذر في الضرع بعد ما توزع حتى صار نهبًا مقسما أخاف التواءَ الأمر بعد انصداعِهِ وأن ينقض الأمر الذي كان أبرما وكان السبب في التقدم لمحمد‏:‏ أن جماعةً من بني العباس مدُوا أعناقهم إلى الخلافة بعد الرشيد إذ لم يكن له ولي عهد فمضى عيسى بن جعفر إلى الفضل بن يحيى فقال له‏:‏ أنشدك اللّه لما عملت في البيعة لابن أختي - يعني محمد بن زبيدة - فإنه ولدك وخلافته لك ‏.‏

فوعده أن يفعل فلما صار الفضل إلى خراسان فرق فيهم أموالًا وأعطى الجند أعطيات متتابعة ثم أظهر البيعة لمحمد فبايع الناس له وكتب إلى الأفاق فبويع له فأنكر قوم البيعة لصغر سنه ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان وولاها خاله الغطريف بن عطاء ‏.‏

وفيها‏:‏ صار يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن إلى الدّيْلم فتحرك هناك ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح ‏.‏

قال الواقدي‏:‏ الذي غزاها عبد الله بن صالح ‏.‏

قال‏:‏ وأصابهم في هذه الغزاة برد قطع أيديهم وأرجلهم ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الرشيد ‏.‏

وقيل‏:‏ بل سليمان بن المنصور ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحكم بن فضيل أبو محمد الواسطي نزل المدائن وحدَّث بها عن خالد الحذَاء ويعلى بن عطاء روى عنه‏:‏ أبو النضر هاشم بن شعوانة العابدة ‏.‏

كانت كثيرة التعبد شديدة الخوف طويلة البكاء وسألها الفضيل بن عياض الدعاء فقالت‏:‏ يا فضيل أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك فشهق الفضيل وخرّ مغشيًا عليه ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي التوزي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الدقاق حدثنا أبو علي بن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدَّثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدَثني مالك بن ضيغم قال‏:‏ قال لي أبي يومًا انطلق بنا حتى نأتي هذه المرأة الصالحة فننظر إليها - يعني شعوانة - فانطلقت أنا وأبو همام فدخلنا عليها فقالت‏:‏ مرحبًا يا ابن مَنْ لم نره ونحن نحبه أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة سيده وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة ثم قالت‏:‏ ومَنْ شعوانة وما شعوانة‏!‏ أمة سوداء عاصية ‏.‏

ثم أخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها ‏.‏

أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله القطيعي قال‏:‏ حدَّثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن عبد الملك قال‏:‏ قدمت شعوانة وزوجها مكة فجعلا يطوفان ويصليان فإذا كلّ أو عيا جلس وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه‏:‏ أنا العطشان من حبك لا أروى ‏.‏

وتقول هي‏:‏ أنبت لكل داء دواء في الجبال ودواء المحبين في الجبال لم ينبت ‏.‏

الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث ‏.‏

يقال إنه مولى خالد بن ثابت الفهمي ولد بقرقشندة وهي قرية من أسفل أرض مصر سنة أربع وتسعين ‏.‏

وروى عن‏:‏ عطاء بن أبى ربا والزهري ونافع في آخرين ‏.‏

حدث عن هشيم وابن المبارك وغيرهما ‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا ثقة جَوادًا يحفظ القرآن ويعرف الحديث والعربية والشعر ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ حدثنا عبد اللّه بن عثمان الدقاق قال‏:‏ حدَثنا علي بن محمد المصري قال‏:‏ حدثني محمد بن أحمد بن عياض قال‏:‏ سمعت حرملة بن يحيى يقول‏:‏ سمعت ابن وهب يقول‏:‏ كتب مالك بن أنس إلى الليث بن سعد أريد أن ادخل ابنتي على زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر ‏.‏

قال‏:‏ فبعث إليه الليث ثلاثين حملًا عصفر فصبغ لابنته وباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضلة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن طلحة المقري أخبرنا صالح بن أحمد بن محمد الهمداني قال‏:‏ حدثنا أحمد بن القاضي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عثمان النسائي قال‏:‏ سمعت قتيبة بن سعيد يقول‏:‏ سمعت شعيب بن الليث يقول‏:‏ خرجت مع أبي حاجًا فقدم المدينة فبعث إليه مالك بن أنس بطبق فيه رطب فجعل على الطبق ألف دينار ورده إليه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن سليمان قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ قال قتيبة بن سعيد‏:‏ كان الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألف دينار وقال‏:‏ ما وجبت عليّ زكاة قط وأعطى ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالك بن أنس ألف دينار وأعطى منصور بن عمار ألف دينار وجارية تساوي ثلاثمائة دينار ‏.‏

قال‏:‏ وجاءت امرأة إلى الليث بن سعد فقالت‏:‏ يا أبا الحارث إن ابني عليل وقد اشتهى عسلًا فقال‏:‏ يا غلام أعطها مرطًا من عسل ‏.‏

والمرط مائة وعشرون رطلًا ‏.‏

توفي الليث في شعبان من هذه السنة ‏.‏

المنذر بن عبد اللّه بن المنذر بن المغيرة بن عبد اللّه بن خالد بن حزام ‏.‏

كان من سروات قريش وأهل الفضل ‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدَّثني عمي مصعب قال‏:‏ أخبرني الفضل بن الربيع قال‏:‏ دعاه أمير المؤمنين المهدي إلى قضاء المدينة فلم أر رجلًا قط كان له استعفاء منه قال لأمير المؤمنين‏:‏ إني كنت وليت ولاية فخشيت أن لا أكون سلمت منها فأعطيت الله عهدًا أن لا ألي ولاية أبدًا وأنا أعيذ أمير المؤمنين باللّه ونفسي أن يحملني على أن أخيس بعهد الله ‏.‏

قال أمير المؤمنين المهدي‏:‏ فواللّه لقد أعطيت هذا من نفسك قبل أن أدعوك ‏.‏

قال‏:‏ والله لقد أعطيت هذا من نفسي قبل أن تدعوني ‏.‏

فقال‏:‏ قد أعفيتك ‏.‏

قال الزبير‏:‏ وحدثني غير عمي من قريش قال‏:‏ عرض عليه أمير المؤمنين المهدي مائة ألف درهم على أن يلي له القضاء فاستعفى فقال‏:‏ لا أعفيك حتى تدلني على إنسان أوليه القضاء ‏.‏

فدله على عبد الله بن محمد بن عمران فاستقضاه فحج تلك الأيام المنذر بن عبد الله وأبو فاكترى لأبيه إلى الحج وما يجد ما يكتري لنفسه فحج ماشيًا ‏.‏

توفي المنذر في هذه السنة رحمه الله ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال وطَبرستان ودُنْباوند وقُومِس وأرمينيَة وأذْرَبيجان ‏.‏

وفيها‏:‏ ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بالديلم فاشتدت شوكته وقَوي أمره ونزع إليه الناس من الأمصار والكُور فاغتم لذلك الرشيد وندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفًا ومعه صناديد القَواد فاستخلف منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين يجري الكتب على يديه ثم مضى وحمل معه الأموال وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل خروج يحيى فأجاب يحيى إلى الصلح والخروج على أن يكتب له الرشيد أمانًا بخطه على نسخة يبعث بها إليه ‏.‏

فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد فسره وكتب أمانًا ليحيى بن عبد الله وأشهد عليه الفقهاء والقضاة وجلة أبني هاشم مشايخهم منهم‏:‏ عبد الصمد بن علي والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم وموسى بن عيسى ومَنْ أشبههم ووجه به مع جوائز وكرامات وهدايا فوجّه الفضل بذلك إليه فقدم يحيى عليه وورد به الفضل بغداد فلقيه الرشيد بكل ما أحبّ وأمر له بمال كثير وأجرى له أرزاقًا سنية وأنزله منزلًا سرّيًا بعد أن أقام في منزل يحيى بن خالد أيامًا وكان يتولى أمره بنفسه ولا يَكِلُ ذلك إلى غيره وأمر الناس بإتيانه والسلام عليه بعد انتقاله عن منزل يحيى وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة الشاعر في الفضل‏:‏

على حين أعْيَا الراتقينَ التِئامُهُ ** فكَفُوا وقالوا لَيسَ بالمتلائم

فأصْبَحْتَ قد فازَتْ يَدَاك بِخطًةٍ ** من المجدِ باقٍ ذكرها في الْمَواسِم

وما زالَ قِدْحُ المُلْكِ يَخْرُجُ فائزًا لكمْ كلَّما ضُمتْ قِداحُ المُساهِم ثم إن الرشيد دعا يحيى بن عبد الله وعنده أبو البختري القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه وأحضر كتاب الأمان الذي أعطاه يحيى فقال لمحمد بن الحسن‏:‏ ما تقول في هذا الأمان أصحيح هو قال‏:‏ نعم فحاجه الرشيد في ذلك ‏.‏

فقال له محمد بن الحسن‏:‏ ما يصنع بالأمان لو كان محاربًا ثم ولي وكان آمنًا ‏.‏

فسأل أبا البختري أن ينظر في الأمان فقال أبو البختري‏:‏ هذا منتقض من وجه كذا ومن وجه كذا فقال الرشيد‏:‏ أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك فمزَّق الأمان وتَفَلَ فيه أبو البختري وقام يحيى ليمضى إلى الحبس ‏.‏

فقال له الرشيد‏:‏ انصرف أما ترون به أثر علة الآن إن مات قال الناس سمّوه‏!‏ فقال يحيى‏:‏ كلا ما زلت عليلًا منذ كنت في الحبس وقبله ‏.‏

فما مكث بعد هذا إلا شهرًا حتى مات ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ هاجت العصبية بالشام بين النزارَية واليمانية وكان رأس النزاريَّة يومئذ أبو الهيذام وقتل بينهم خلق كثير ‏.‏

وكان العامل على الشام حين هاجت هذه الفتنة موسى بن عيسى فولى الرشيد موسى بن يحيى بن خالد البرمكي الشام وضمّ إليه من القواد والجنود جماعة فأصلح بين أهلها وسكنت الفتنة فمدحه الشاعر فقال‏:‏

قد هاجت الشأمُ هَيْجًا ** يشيب راسَ وَليده

فصُب موسى عليها ** بخيله وجُنُودِهْ فَدانَتِ الشأمُ

لمّا أتى بِسُنْح وَحيدهْ ** هو الجَوادُ الذي بُذْ ذَ كلُ

وجودٍ بجودِهْ أعداهُ جودُ ** أبيه يحيى وجودُ جُدوده

فجاءَ موسَى بن يحيى ** بطارفٍ وتَليدِه ونَالَ موسى

ذُرى المج د وَهْو حَشوُ ** مُهُودِه خصَصْتُه بمَديحي

منثورِهِ وقَصيدِهْ مِنَ البرامِكِ ** عودٌ له فأكرِمْ بِعُودِه

حَوَوا على الشعر ** طرًا خفيفهِ ومَديدِهْ

وفي هذه السنة‏:‏ عزل الرشيد الغطريف بن عطاء عن خراسان وولاها حمزة أبن مالك بن وسبب ذلك‏:‏ أن موسى بن عيسى كان على مصر فبلغ الرشيد أنه عازم على الخَلْع فقال‏:‏ واللّه لا أعزله إلا بأخسَ مَنْ على بابي ‏.‏

فذكر له عمر بن مهران وكان أحول مشوه الوجه خسيس اللباس وكان يشمر ثيابه ويقصر أكمامَه ويركب بغلًا عليه رَسَنٌ ويُردف غلامه خلفه فدعاه فولاه مصر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أتولى على شرط أن يكون إليَ إذني إذا أصلحت البلاد انصرفت ‏.‏

فجعل ذلك إليه وبلغ الخبر موسى بن عيسى فدخل عمر دار موسى والناس عنده فجلس في أخْريات الناس فلما تفرق أهل المجلس قال موسى لعمر‏:‏ ألك حاجة يا شيخ قال‏:‏ نعم ‏.‏

ثم قام بالكتب فدفعها إليه فقال‏:‏ يقدم أبو حفص ‏.‏

قال‏:‏ فأنا أبو حفص ‏.‏

قال‏:‏ أنت عمر بن مهران‏!‏ قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ لعن الله فرعون حين قال‏:‏ ‏{‏أليس لي ملك مصر‏}‏ ‏.‏

ثم سلّم له العمل ورحَل فتقدّم عمر إلى غلامه فقال‏:‏ لا تقبل من الهدايا إلا ما يدخل في الجراب لا تقبل دابة ولا جارية ولا غلامًا ‏.‏

فجعل الناس يبعثون بهداياهم فيرد الألطاف ويقبل المال والثياب فيأتي بها عمر فيكتب عليها أسماء مَنْ بعث بها ثم وضع الجباية ‏.‏

وكان قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج فبدأ برجل منهم فلواه فقال‏:‏ والله لا تؤدي ما عليك من الخراج إلا في بيت المال بمدينة السلام بغداد ‏.‏

فأشخصه مع رجلين وكتب إلى الرشيد بالحال وأخبره أنه قد خلف ‏.‏

فلم يلوه بعدها أحدٌ من الخراج بشيء واستأدى النَجم الأول والثاني فلما كان في الثالث وقعت مماطلة فأحضر أهل الخراج فشكوا الضَيقة فأمر بإحضار تلك الهدايا فأجزاها عن أهلها ثم انصرف عن البلد ‏.‏

وحكى أبو بكر الصولي أن الرشيد بايع في سنة ست وسبعين ومائة لابنه عبد اللّه بالعهد بعد الأمين وسمَاه‏:‏ المأمون وولاَّه المشرق كله وكتب بينهما كتابًا علقه في المسجد الحرام ‏.‏

وفيها غزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك فافتتح حصنًا ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس سليمان بن المنصور ‏.‏

قال أبو بكر الصولي‏:‏ وفي هذه السنة حجت زبيدة فأمرت ببناءِ المصانعْ ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس ‏.‏

كان أمير مصر حكى عنه ابن وهب وتوفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

إبراهيم بن علي بن سلمة بن علي بن هرمة أبو إسحاق الفهري المديني ‏.‏

شاعر مفلق فصيح مسهب مجيد أدرك دولة الأمويين والهاشميين وكان ممن اشتهر بالانقطاع للطالبيين ‏.‏

إبراهيم أخبرنا إبراهيم بن عرفة قال‏:‏ تحول المنصور إلى مدينة السلام ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم فكان ممن وفد عليه إبراهيم بن هرمة قال‏:‏ فلم يكن في الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا فلان الشاعر فيقول‏:‏ أنشد حتى كنت آخر مَن بقي ‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا إبراهيم بن هرمة فسمعته يقول‏:‏ لا مرحبًا ولا أهلًا ولا أنعم اللّه به عيشًا فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت واللّه نفسي ثم رجعت إلى نفسي فقلت‏:‏ يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت فقال أبو الخصيب‏:‏ أنشد فأنشدته‏:‏ سرى ثوبه عنك الصبى المتخايل وقرب للبين الخليط المزايل حتى انتهيت إلى قولي‏:‏ فأما الذي أمنته يأمن الردى وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل فقال‏:‏ يا غلام ارفع عني الستر فرفع فإذا وجهه كأنه فلقة قمر ثم قال‏:‏ تمم القصيدة ‏.‏

فلما فرغت قال‏:‏ ادن ‏.‏

فدنوت ثم قال‏:‏ اجلس فجلست وبين يديه مخصرة فقال‏:‏ يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء لولاها لفضلتك على نظرائك فأقر لي بذنوبك أعفها عنك ‏.‏

فقلت‏:‏ هذا رجل فقيه عالم وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب عليَّ فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقربه ‏.‏

فتناول المخصرة فضربني بها فقلت‏:‏ أصبر من ذي ضاغطٍ عركرك ألقى بواني زوره للمبرك ثم ثنى فضربني فقلت‏:‏ أصبر من عَوْب بجنبيه جلب قد أثر البطان فيه والحقب فقال‏:‏ قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ورؤبة بن العجاج ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك ‏.‏

قلت‏:‏ نعم وأنت في حل أو سعة من دمي إن بلغك أمر تكرهه ‏.‏

قال ابن هرمة‏:‏ فأتيت المدينة ‏.‏

فأتاني رجل من الطالبيين فسلّم عليَّ فقلت‏:‏ تنَحّ عني لاتشيط بدمي ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن المخزومي حدَّثنا أبو بكر الصولي حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة قال - وكان متصلًا بنا - وهو القائل فينا‏:‏ ومهما ألام على حبهم فإني أحب بني فاطمه فلست أبالي بحبي لهم سواهم من النعم السائمه فقيل له في دولة بني العباس‏:‏ ألست القائل كذا ‏.‏

وأنشده هذه الأبيات فقال‏:‏ أعض الله قائلها بهن أمه فقال له من يثق به‏:‏ ألست قائلها قال‏:‏ بلى ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ حدَّثنا أبو جعفر محمد بن علان الوراق حدَّثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حماد قال‏:‏ حدثنا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ابن أخي الأصمعي عن عمه قال‏:‏ قال لي رجل من أهل الشام‏:‏ قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة فإذا بنية له صغيرة تلعب بالطين فقلت لها‏:‏ ما فعل أبوك قالت‏:‏ وفد إلى بعض الأجواد فما لنا به علم منذ مدة ‏.‏

فقلت‏:‏ انحري لنا ناقة فإنا أضيافك ‏.‏

قالت‏:‏ والله ما عندنا ناقة ‏.‏

قلت‏:‏ فشاة ‏.‏

قالت‏:‏ والله ما عندنا ‏.‏

قلت‏:‏ فدجاجة قالت‏:‏ والله ما عندنا ‏.‏

قلت‏:‏ فأعطينا بيضة ‏.‏

قالت‏:‏ والله ما عندنا ‏.‏

قلت‏:‏ فباطل ما قال أبوك‏:‏ كم ناقةٍ قد وجَأتُ منحرها بمستهل الشؤبوب أو جمل قالت‏:‏ فذاك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء ‏.‏

قال الأخفش‏:‏ قال لنا ثعلب مرة‏:‏ إن الأصمعي قال‏:‏ ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج ‏.‏

الجراح بن مليح بن عدي أبو وكيع ‏.‏

ولد بالسند حدَّث عن أبي إسحاق السبيعي والأعمش ‏.‏

وولي بيت المال ببغداد في زمان الرشيد ‏.‏

وثقه يحيى بن معين ويعقوب بن سفيان وقال محمد بن سعد‏:‏ كان ضعيفًا في الحديث قال الدارقطني‏:‏ ليس بشيء ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

سعيد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جميل أبو عبد الله المديني ‏.‏

ولي القضاء ببغداد في عسكر المهدي وزمن هارون الرشيد وولي سبع عشرة سنة وحدَّث عن هشام بن عروة وسهل بن أبي صالح ‏.‏

قال يحيى‏:‏ هو ثقة ‏.‏

توفي ببغداد في هذه السنة ‏.‏

صالح بن بشير أبو بشر القارىء المعروف بالمري ‏.‏

من أهل البصرة كان مملوكًا لامرأة من بني مرة بن الحارث حدث عن الحسن وابن سيرين وبكر بن عبد اللّه وثابت روى عنه‏:‏ عفان وغيره ‏.‏

وكان عبدًا صالحًا كثير الخوف شديد البكاء وكان يذكر ويعظ فحضر مجلسه سفيان الثوري فقال‏:‏ هذا نذير قوم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال أخبرنا السكري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد بن الأزهر قال‏:‏ حدثنا ابن الغلابي قال‏:‏ حدثنا شيخ من الكُتٌاب‏:‏ أن صالحًا المري لما أرسل إليه المهدي قدم عليه فلما دخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه - وهما وليا عهده - موسى وهارون فقال‏:‏ قوما فأنزلا عمكما ‏.‏

فلما أقبلا إليه أقبل صالح علي نفسه فقال‏:‏ يا صالح لقد خبتَ وخَسِرْتَ إن كنت إنما عملت لهذا اليوم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أعلي الخطيب قال‏:‏ أخبرني علي بن أيوب قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن فهم قال‏:‏ حدثني أبو همام قال‏:‏ حدَّثني أبو نعيم بن عين قال‏:‏ قال صالح المري‏:‏ دخلت على المهدي فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين احمل لله ما أكلمك به اليوم فإن أولى الناس بالله أحملهم لغلظة النصيحة فيه وجدير بمن له قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرث أخلاقه ويَأتم بهَدْيه وقد ورثك الله من فهم العلم ميراثًا قطع به عذرك اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصم من خالفه في أمته ومن كان محمد خصمه كان الله خصمه فاعتد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله حججًا تضمن لك النجاة أو استسلم للهلكة واعلم أن أبطأ الضَرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله قربة وإن أثبت الناس قدمًا يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمثلك لا يكاثر بتجريد المعصية ولكن تتمثل لك الإساءة إحسانًا ويشهد لك عليها خونة العلماء وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك فأحسن الحلم فقد أحسنت إليك الاداء قال‏:‏ فبكى المهدي ‏.‏

قال أبو همام‏:‏ فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبًا في دواوين المهدي ‏.‏

عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ‏.‏

مديني قدم واليًا على قضائها من قِبل الهادي وكان عالمًا بمذاهب أهل المدينة روى عنه‏:‏ المفضل بن فضالة وغيره وتوفي بالعراق في هذه السنة ‏.‏

الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم أبو فضالة الحمصي التنوخي من أنفسهم ‏.‏

سكن بغداد وكان على بيت المال بها في أول خلافة الرشيد ‏.‏

حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وغيرهما ‏.‏

روى عنه‏:‏ علي بن الجعد وسريج بن يونس ‏.‏

وذكر رجل من ولده أنه ولد في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان في غزوة مسلمة الطوانة جاء الخبر بولادته يوم فتحت الطوانة فأعلم أبوه مسلمة فقال مسلمة‏:‏ ما سميته قال‏:‏ سميته الفرج لما فرج الله عنا في هذا اليوم بالفتح ‏.‏

فقال مسلمة لفضالة‏:‏ أصبت وكان أصاب المسلمين أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز قال‏:‏ حدَّثنا علي بن محمد بن الحسن القزويني قال‏:‏ سمعت بعض أصحابنا يقول‏:‏ أقبل المنصور يومًا راكبًا والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب فقام الناس فدخل من الباب ولم يقم له الفرج فاستشاط غضبًا ودعا به فقال‏:‏ ما منعك من القيام حين رأيتني قال‏:‏ خفت أن يسألني الله عنه لِمَ فعلت ويسألك لِمَ رضيت وقد كرهه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قال‏:‏ فبكى المنصور وقرّبه وقضى حوائجه ‏.‏

توفي الفرج في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة سبع وسبعين وقد وثقه بعض المحدثين وضعفه بعضهم ‏.‏

المسيب بن زهير بن عمرو أبو مسلم الضبي ‏.‏

ولد في خلافة عمر بن عبد العزيز وكان من رجالات الدولة العباسية وولي شرطة بغداد في أيام المنصور والمهدي والرشيد وقد كان تولى خراسان أيام المهدي وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وسبعين سنة ‏.‏

الوضاح أبو عوانة مولى يزيد بن عطاء الواسطي ‏.‏

وقال البخاري‏:‏ يزيد بن عطاء ويزيد مولى بني يشكر وكان من سبي جرجان رأى الحسن وابن سيرين وسمع من محمد بن المنكدر وقتادة ومنصور ابن المعتمر والأعمش روى عنه‏:‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر بن أحمد بن الليث الواسطي قال‏:‏ حدثنا أسلم بن سهل قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن أبان قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ اشترى عطاء بن يزيد أبا عوانة ليكون مع أبيه يزيد وكان لأبي عوانة صديق قاص وكان أبو عوانه يحسن إليه فقال القاص‏:‏ ما أدري بأي شيء أكافئه فكان بعد ذلك لا يجلس مجلسًا إلا قال لمن حضره‏:‏ ادعو الله لعطاء البزار فإنه اعتق أبا عوانة ‏.‏

فكان قل مجلس إلا ذهب إلى عطاء مَنْ يشكره فلما كثر عليه ذلك أعتقه ‏.‏

توفى أبو عوانة في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة خمس وله اثنتان وثلاثون سنة ‏.‏