فصل: خطبة للحجاج

صباحاً 12 :40
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
17
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتبيين **


 خطبة للحجاج

حدثنا محمَّد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد عن عبد اللَّه بن أبي عبيدة ابن محمد بن عمّار بن ياسر قال‏:‏ خرج الحجَّاج يريد العراق والياً عليها في اثنَيْ عشر راكباً على النّجائب حتَّى دخل الكوفة فَجأَةً حين انتشرَ النّهار وقد كان بشرُ بنُ مروان بَعث المهلَّبَ إلى الحَروُريّة فبدأ الحجَّاج بالمسجد فدخَلَه ثم صعِدَ المنبَر وهو متلثّم بعمامة خَزٍّ حمراء فقال‏:‏ عليّ بالناس فحسِبوه وأصحابَه خوارجَ فهمُّوا به حتّى إذا اجتمع النّاسُ في المسجد قام فكشَفَ عن وجهه أنا ابنُ جَلاَ وطَلاّعُ الثّنايا مَتَى أضَعِ العمامةَ تعرفوني أمَا واللَّه إني لأحتملُ الشّرّ بحمْله وأحذُوه بنَعله وأجزيه بمثله وإني لأَرَى رؤوساً قد أينعَتْ وحان قِطافُها وإنِّي لَصَاحِبُها وإنّي لأنظُرُ إلى الدِّماء تَرَقْرَقُ بين العمائم واللِّحَى قد شمّرت عن ساقها فشمِّرا ثم قال‏:‏ من الرجز هذا أوانُ الشَّدّ فاشتدِّي زِيَمْ قد لَفّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ ليسَ براعِي إبلٍ ولا غَنَمْ ولا بجزّارٍ على ظَهر وَضَمْ وقال أيضا‏:‏ من الرجز قد لفّها اللَّيْلُ بعَصْلَبِيّ أرْوَعَ خَرَّاجٍ من الدَّوِّيّ مهاجِرٍ ليسَ بأعرابيِّ إنّي واللَّه يا أهلَ العراق والشِّقاق والنِّفاق ومساوئ الأخلاق ما أُغْمَزُ تَغمازَ التِّين ولا يُقعقَع لي بالشِّنان ولقد فُرِرت عن ذَكاءٍ ولقد فُتِّشت عن تَجْرِبة وجَرَيْت مِن الغاية إنَّ أميرَ المؤمنين كبَّ كِنانَتَه ثم عَجَم عيدانَها فوجدني أمَرَّها عوداً وأصلبَها عموداً فوجَّهنِي إليكم فإنَّكم طالما أوضعتُم في الفِتن واضطجعتم في مراقد الضَّلال وسننتم سُنَنَ الغَيِّ أمَا واللَّه لألحوَنَّكم لَحوَ العصا ولأَعصِبنَّكم عَصْبَ السَّلَمَة ولأضرِبنّكم ضَرْبَ غرائب الإبل فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغداً من كُلِّ مكانٍ فكَفرت بأنعُم اللَّه فأذاقها اللَّه لباسَ الجوع والخوف بما كانوا يصنعون إنِّي واللّه لا أعِدُ إلاّ وفَيت ولا أهُمُّ إلاّ أمضيت ولا أخلُقُ إلاّ فريت فإيّايَ وهذه الجماعاتِ وقالَ وقيلَ وما تقولون وفيم أنتم وذلك أمَا واللَّه لتَستقيمُنَّ على طريق الحقِّ أو لأَدَعَنَّ لكلِّ رجلٍ منكم شُغْلاً في جَسَده مَن وجدتُ بعد ثالثةٍ من بَعث المهلَّب سفكتُ دمه وانتهبْتُ مالَه ثم دخل منزله أبو الحسن قال‏:‏ كتب الحجَّاجُ بن يوسف إلى قَطَريّ بن الفُجاءَة‏:‏ سلامٌ عليك أمّا بعدُ فإنّك مَرَقت من الدِّين مُروقَ السّهم من الرّمِيّة وقد علمتَ حيث تجرثمْتَ وذاكَ أنك عاصٍ للَّه ولِوُلاةِ أمرِه غير أنَّكَ أَعرابيُّ جِلْفٌ أُمِّيَّ تستطعم الكِسرةَ وتستشفي بالتَّمرةِ والأمور عليك حَسْرَة خرجتَ لتَنَالَ شُبْعَةً فلحقَ بك طَغامٌ صَلُوا بمثْلِ ما صَلِيتَ به من العيش فهم يهزُّون الرِّمَاح ويستنشئون الرّياح على خوفٍ وجَهْدٍ من أمورهم وما أصبحوا ينتظرون أعظمُ مما جَهِلوا معرفَته ثمَّ أهلكَهم اللَّهُ بتَرْحَتَين والسّلام فأجابه قَطري‏:‏ من قطريِّ بن الفُجاءة إلى الحجَّاج بن يوسف سلام على الهُدَاة من الوُلاة الذين يَرعَون حرِيمَ اللَّه ويَرهبون نِقَمه فالحمدُ للَّه على ما أظهَرَ من دينَه وأظْلَعَ به أهل السِّفَال وهدَى به من الضَّلال نصَرَ به عند استخفافك بحقِّه كتبتَ إليّ تذكرُ أنّي أعرابيٌّ جِلفٌ أمِّيِ استطعم الكسْرة واستشفى بالتّمرة ولعمري يا ابنَ أمّ الحجَّاج إنَّك لَمُتَيَهٌ في جِبِلّتك مُطلخِمٌّ في طريقتك واهٍ في وثيقتك لا تعرف اللَّه ولا تَجْزَع من خطيئتك يئستَ واستيأستَ من ربِّك فالشَّيطانُ قرينُك لا تجاذبه وَثاقَك ولا تنازِعُه خِناقَك فالحمدُ للَّه الذي لو شاء أبرز لي صفحتَك وأوضَح لي صَلَعتك فوَ الذي نَفْسُ قطريّ بيده لعَرَفْتَ أنَّ مقارعَةَ الأبطال ليس كتصدير المقال مع أنِّي أرجو أن يدحَضَ اللَّه حُجَّتَك وأن يمنحني مهُجَتَك خالد بن يزيدَ الطائيُّ قال‏:‏ كتب معاويةُ إلى عديِّ بن حاتم‏:‏ حاجَيتُك ما لا يُنْسَى يعني قتْلَ عثمان فذهِب عَدِيُّ بالكتاب إلى عليّ فقال‏:‏ إنّ المرأة لا تنسى قاتل بكْرها ولا أبا عُذْرها فكتبَ إليه عديٌّ‏:‏ إن ذلك منّي كليلَةِ شَيباءَ وقال عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه‏:‏ يا غلام ارفع ذلك النَّثيل يعني روثاً وقيل له‏:‏ أين خرج هذا الحِبْن قال‏:‏ تحت مَنْكِبي وقيل لقتيبة‏:‏ أين خرج بك هذا الخُرَاج قال‏:‏ بين الرانِفة والصَّفَن قال‏:‏ وقيل لرقبة‏:‏ ما بال القُرَّاء أشدَّ النَّاس نَهْمة وغُلْمةً قال‏:‏ أمّا الغلمة فإنّهم لا يَزْنون وأمّا النَّهْمة فلأنَّهم يصومون وعرض عليه رجلٌ الغدَاء فقال‏:‏ يا هذا إنْ أقسمتَ عليّ وإلاّ فدَعْني وقال مُوَرِّقٌ العِجليّ‏:‏ ما تكلّمتُ بكلمةٍ في الغضب أنْدَمُ عليها في الرّضَا وقد سألتُ اللَّه حاجةً منذ أربعين سنةً فما أجابني ولا يئست قال‏:‏ مكتوب في حكمة داود‏:‏ على العاقل أن يكون عالماً بأهل زمانه مالكاً للسانه مُقبلاً على شانه قال‏:‏ ولمَّا قدِم الفرزدقُ الشَّامَ قال له جريرٌ - وكان هُنالك - ما ظننت أنّك تَقَدَمُ بلداً أنا فيه فقال الفرزدق‏:‏ إنهِ طالما خالفتُ رأي العَجَزة وقال يونُس بنُ حبيب‏:‏ إذا قالوا‏:‏ غُلّب الشاعر فهو الغالب وإذا قالوا مغلَّب فهو المغلوب وقال امرؤ القيس‏:‏ من الطويل وإنّك لم يفخَرْ عليك كفاخرٍ ضعيفٍ ولم يَغلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ وقال بعضهم‏:‏ من الرجز إنِّي امرؤ ينفع قومي مَشهدي أذبُّ عنهم بلساني ويَدي وقال قتيبةُ بن مُسْلم‏:‏ إذا غزوتم فأطِيلوا الأظفار وقَصِّرُوا الشُّعور قال‏:‏ ونظر مخنَّثٌ إلى شيخٍ قبيحِ الوجه في الطّريق فقال له‏:‏ ألم يَنْهَكُمْ سليمان ابن داودَ عن الخروج بالنّهار قال‏:‏ وعزَّى أعرابيٌّ ناساً فقال‏:‏ يرحم اللَّه فلاناً فلقد كان كثير الإهالة دَسِمَ الأشداق وقال الشاعر‏:‏ من الوافر ترى وَدَكَ السَّديف على لحاهُمْ كلون الرَّاءِ لبَّدَهُ الصقيعُ وقال أعرابيّ‏:‏ رحم اللَّهُ فُلاَناً إنْ كان لضخَمَ الكاهل ثم جلس وسكت وقال آخر‏:‏ كان واللَّه نقيَّ الأظفار قليل الأسرار وقال صديقٌ لنا‏:‏ رأيتُ سكراناً وقد ركب رَدْعَه ثم إنّه استقلّ قال واثلةُ بن خليفةَ السُّدوسيّ يهجو عبد الملك بن المهلَّب‏:‏ من الطويل لقد صَبَرتْ للذُّلِّ أعوادُ مِنبرٍ تقوم عليها في يديك قضيبُ بَكى المِنبرُ الغربيُّ إذ قُمتَ فوقَه وكادت مساميرُ الحديد تذوبُ رأيتُك لمَّا شِبْت أدركك الذي يُصيب سَراةَ الأزدِ حين تشيبُ سفاهةُ أحلامٍ وبُخلٌ بنائل وفيك لمن عاب المَزُونَ عيوبُ وقد أوحَشَت منكم رساتيقُ فارسٍ وبالمصر دُورٌ جَمَّةٌ ودُروبُ إذا عُصْبَةٌ ضَجَّتْ من الْخَرْج ناسبت مَزونيَّةً إن النَّسيب نَسيبُ وقال بشَّار الأعمى في عمرَ بنِ حفص‏:‏ من الكامل ما بالُ عينِك دمعُها مسكوبُ حُرِبَتْ فأنتَ بنومها محروبُ وكذاكَ من صَحِبَ الحوادثَ لم تزَلْ تأتي عليه سَلامَةٌ ونُكوبُ يا أرضُ ويحكِ أكرِمِيهِ فإنّه لم يبق للعَتَكيِّ فيك ضريبُ أبهى على خُشُبِ المنابر قائماً يوماً وأحزَمُ إذ تُشَبُّ حُرُوب إنّ الرَّزيّةَ لا رَزِيَّةَ مثلها يومَ ابنُ حفص في الدِّماء خضيبُ إذْ قيل أصبحَ في المقابر ثاوياً عُمَرٌ وشُقَّ لواؤه المنصوبُ فظَلِلْتُ أندُبُ سيفَ آلِ مُحَمَّدٍ عُمَراً وعَزَّ هنالك المندوبُ فعليك يا عُمَرُ السّلامُ فإنَّنا باكوكَ ما هَبّتْ صَباً وجَنُوبُ قال إسماعيل بن غَزْوان‏:‏ الأصوات الحسنةُ والعقولُ الحِسَان كثيرة والبيان الجيّد والجمال البارع قليل وذكر أبو الحارث صاحبَ مسجد ابن رُغْبانَ فقال‏:‏ إنْ حدَّثْتَه سبقَك إلى ذلك الحديث وإنْ سكتَّ عنه أَخذ في التُّرَّهات وقال ابن وهب‏:‏ أنا اأستثقل الكلامَ كما يستثقل حُرَيْثٌ السكوت كما قال ابن شُبْرُمة لإياسِ بن معاوية‏:‏ شكلي وشكلُك لا يتَّفقان أنت لا تشتهي أن تسكت وأنا لا أشتهي أن أسمع وقال أبو عَقيل بن دُرُسْتَ إذا لم يكن المستمعُ أحرصَ على الاستماع من القائل على القول لم يبُلغ القائلُ في منطقه وكان النُّقصان الداخلُ على قوله بقدْر الخَلَّة بالاستماع منه وقال ابن بَشّار البَرْقيّ‏:‏ كان عندنا واحدٌ يتكلّم في البلاغة فسمعته يقول‏:‏ لو كنتُ ليس أنا وأنا ابنُ من أنا منه لكنت أنا أنا وأنا ابن من أنا منه فكيف وأنا أنا وابن من أنا منه وقالوا‏:‏ ثلاث يُسرع إليهنَّ الخَلَفُ‏:‏ الحريق والتّزويج والحجّ وقال المهلَّب‏:‏ ليس أنْمَى من بقَية السَّيف فوجد الناسُ تَصديق قوله فيما نال ولدَه من السيف وقال عليُّ بن أبي طالب رحمه اللَّه‏:‏ بقيَّة السّيف أنمى عَدَداً وأكرم ولداً ووجد الناسُ ذلك بالعيان للذي صار إليه ولدُه من نَهْك السّيف وكَثْرة الذّرْء وكرم النَّجْل قال اللَّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏)‏ولَكمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ يا أُولِي الألْبَاب‏(‏ البقرة‏:‏ 179 وقال بعضُ الحكماء‏:‏ قَتْل البعض إحياءٌ للجميع وقال همّامٌ الرَّقاشيّ‏:‏ من البسيط أبلغْ أبا مِسْمَعٍ عني مُغَلغَلةً وفي العِتاب حياة بينَ أقوامِ قَدَّمتَ قبلي رِجالاً لم يكن لهُم في الحقِّ أن يَلجُوا الأبوابَ قدّامِي لو عُدّ قَبرٌ وقبرٌ كنتُ أكرَمَهم قبراً وأبعدَهم من منزل الذّامِ فقد جعلتُ إذا ما حاجةٌ عرضَتْ بباب قصرِ ك أدلُوها بأقوام وقال الحجّاج لامرأةٍ من الخوارج‏:‏ واللَّه لأعُدَّنَّكم عَدّاً ولأحْصُدَنَّكم حَصداً قالت‏:‏ أنت تحصُد واللَّه يزرع فانظرْ أينَ قدرةُ المخلوق من قُدرة الخالق ولم يظهر من عدد القتلَى مثلُ الذي ظهر في آل أبي طالب وآل الزبير وآل المهلَّب وقال الشاعر في آل الزُّبَير‏:‏ من المتقارب آل الزبير بنو حُرَّةٍ مَرَوْا بالسُّيوف صُدُوراً حِنَاقا يموتون والقتل من دأبهم ويَغْشَونَ يوم السِّباقِ السِّباقا إذا فَرّج القتل عن عِيصِهمْ أبَى ذلك العِيصُ إلاّ اتّفاقا وقال ثمامة‏:‏ سمعت قاصّاً بَعبَّادانَ يقول في دعائه‏:‏ اللهم ارزقْنا الشهادةَ وجميعَ المسلمين قال‏:‏ وتساقط الذِّبّانُ على وجهه فقال‏:‏ اللَّه أكبر كثّر اللَّه بكم القبور قال‏:‏ وسمع أعرابيٌّ رجلاً يقرأسورة براءة فقال‏:‏ ينبغي أن يكون هذا آخِرَ القرآن قيل له‏:‏ ولِمَ قال‏:‏ رأيت عهوداً تُنْبَذ وقال عبد العزيز الغزّال القاصّ في قَصَصه‏:‏ ليت اللَّه لم يكن خلقني وأنا الساعةَ أعورُ فحكِّيتُ ذلك لأبي عتَّاب الجرَّار فقال أبو عتَّاب‏:‏ بئس ما قال وددتُ واللَّه الذي لا إله إلاّ هو أنَّ اللَّه لم يكن خَلَقني وأنِّي الساعَة أعمى مقطوعُ اليدين والرِّجلين قال‏:‏ ولمَّا استعدى الزِّبرقانُ على الحطيئة فأمر عمرُ بقَطْعِ لسانه قال الزِّبرقان‏:‏ نَشَدتُك اللَّه يا أمير المؤمنين أنْ تقطعَه فإنْ كنتَ لا بدّ فاعلاً فلا تقطعْه في بيت الزِّبرقان فقيل له‏:‏ إنه لم يذهب هنالك إنما أراد أن يقطع لسانَه عنك برغْبةٍ أو رهبة تقول العرب‏:‏ قتلَت أرضٌ جاهلَها وقَتَل أرضاً عالمُها وتقول‏:‏ ذَبَحني العطش والمسْك الذّبيح وركب بنو فلانٍ الفلاةَ فقطع العطِشُ أعناقَهم وتقول‏:‏ فلانٌ لسان القوم ونابهُم الذي يفتَرُّونَ عنه وهؤلاء أنْفُ القَوم وخراطيمهم وبَيْسَانُ لسان الأرض يومَ القيامة وفلانٌ أصطُمَّةُ الوادي وعينُ البلد وقال الأصمعيّ‏:‏ قال رجلٌ لأبي عمرو بن العلاء‏:‏ أكرمك اللَّه قال‏:‏ مُحْدَثَةٌ قال‏:‏ وكان ابنُ عونٍ يقول‏:‏ كيف أنت أصلحك اللهَ وكان الأصمعيُّ يقول‏:‏ قولهم جُعِلتُ فداكَ وجعلني اللَّه فداك مُحدَثٌ وقد روى علماءُ البَصريِّين أنّ الحسن لمّا سمع صراخاً في جِنازة أمِّ عبد الأعلى ابن عبد اللَّه بن عامر فالتفت قال له عبد الأعلى‏:‏ جُعلتُ فداك لا واللَّه ما أمرتُ ولا شَعرتُ وقال الأصمعي‏:‏ صلّى أعرابيٌّ فأطال الصلاة وإلى جانبه ناسٌ فقالوا‏:‏ ما أحسَنَ صلاته فقال‏:‏ وأنا مع هذا صائم قال الشاعر‏:‏ صلَّى فأعجبني وصام فرابني عدِّ القلوصَ عن المصلِّي الصائمِ وقال طاهرُ بن الحسين لأبي عبد اللَّه المرْوَزيّ‏:‏ منذ كم صِرتَ إلى العراق يا أبا عبد اللَّه قال‏:‏ دخلتُ العراق منذ عشرين سنة وأنا أصوم الدهر منذ ثلاين سنة قال‏:‏ يا أبا عبد اللَّه سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال عوانة‏:‏ قال زياد بن أبيه‏:‏ من سعادة الرجل أن يطولَ عمرُه ويرى في عدوِّه ما يسرُّه وقال الباهليّ‏:‏ قيل لأعرابيّ‏:‏ ما بالُ المراثي أجوَدَ أشعاركم قال‏:‏ لأنّا نقول وأكبادُنا تحترق قال أبو الحسن‏:‏ كانت بنو أميَّةَ لا تقبل الرَّاويةَ إلاّ أنَّ يكون راويةً للمراثي قيل‏:‏ ولم ذاك قيل‏:‏ لأنّها تدل على مكارم الأخلاق وقال عمر بن الخطّاب رحمه اللَّه‏:‏ مِن خير صناعات العرب الأبياتُ يقدِّمُها الرّجلُ بين يدَيْ حاجته يَسْتَنْزِلُ بها الكريم ويستعطف بها اللئيم وقال شعبة‏:‏ كان سِمَاك بن حَرْب إذا كانت له إلى الوالي حاجةٌ قال فيه أبياتاً ثم يسألُه حاجَتَه قال أبو الحسن‏:‏ كان شِظَاظٌ لصًّا فأغار على قوم من العرب فاطَّرَدَ نَعمَهم فساقها ليلتَه حتى أصبح فقال رجل من أصحابه‏:‏ لقد أصبحنا على قَصْدٍ من طريقنا فقال‏:‏ إن المُحْسِنَ مُعَان وقال أبو الحسن‏:‏ أربى غلامٌ من بني عليّ على عبد الملك وعبد الملك يومئذ غلام فقال له كهلٌ من كهولهم لما رآه مُمْسكاً عن جواب المرْبي عليه‏:‏ لو شكوتَه إلى عمّه انتقم لك منه قال‏:‏ أمسِكْ يا كهلُ فإني لا أَعُدُّ انتقامَ غيري انتقاماً قال أبو الحسن‏:‏ خاضَ جُلساءُ عبدِ الملك يوماً في قتل عثمان فقال رجلٌ منهم‏:‏ يا أمير المؤمنين في أيِّ سِنِيك كنت يومئذ قال‏:‏ كنت دون المُحْتَلَم قال‏:‏ فما بلَغ من حُزنِك عليه قال‏:‏ شغلني الغضبُ له عن الحُزْنِ عليه وكان عمر بن الخطاب رحمه اللَّه إذا اشترى رقيقاً قال‏:‏ اللَّهمَّ ارزُقْني أنصحَهم جَيباً وأطولَهم عُمْراً وكان إذا استعمل رجلاً قال‏:‏ إن العمل كِبْرٌ‏:‏ فانظرْ كيف تخرجُ منه قال‏:‏ ومضى أبو عبد اللَّه الكرخيّ إلى الرَّبَض فجلس على بابه ونَفَش لحيتَه وادْعى الفِقه فوقف عليه رجل فقال له‏:‏ إنِّي أدخلتُ إصبَعي في أنفي فخرج عليه دمٌ قال‏:‏ احتجمْ قال جلستَ طبيباً أو فَقيها قالوا‏:‏ بينا الشّعبيَّ جالسٌ وأصحابُه يناظرونَه في الفقه إذا شيخٌ بقرْبهِ قد أقبل عليه بعد أن طال جلوسُه فقال له‏:‏ إنِّي أجدُ في قفايَ حِكَّةً أفتَرَى لي أن أحتجم قال الشّعبيّ‏:‏ الحمد للَّه الذي حَوَّلنا من الفقه إلى الحِجَامة قال‏:‏ وذكر ناسٌ رجلاً بكثرة الصَّوم وطُول الصلاة وشِدَّة الاجتهاد فقال أعرابيٌّ كان شاهداً لكلامهم‏:‏ بئس الرجل هذا يظنُّ أنّ اللَّه لا يرحمه حتَّى يعذِّب نفسَه هذا التعذيب وقال ابن عَون‏:‏ أدركت ثلاثةً يتشدَّدون في السَّماع وثلاثة يتساهلون في المعاني فأمّا الذين يتساهلون فالحسن والشَّعبي والنُّخَعي وأمَّا الذين يتشدَّدون فمحمد بن سِيرين والقاسم بن محمد ورَجاء بن حَيْوة وقال رجل من أصحاب ابن لَهيعة ما رأيت أحسن أدباً من عبد اللَّه بن المبارك والمُعافَى بن عمران وقال أبو الحسن‏:‏ حدَّثني عبدُ الأعلى قال‏:‏ رأيت الطَّرِمَّاحَ مؤدِّباً بالريّ فلم أر أحداً آخَذَ لعقول الرِّجال ولا أجْذَب لأسماعهم إلى حديثه منه ولقد رأيت الصِّبْيانَ يخرُجون مِن عنده وكأنّهم قد جالَسُوا العلماء قال‏:‏ كان رجلٌ يبلُغه كلامُ الحسن البَصريّ فبين الرجل يطوف بالبيت إذْ سمع رجلاً يقول‏:‏ عجباً لقومٍ أُمِرُوا بالزَّاد ونُودِيَ فيهم بالرَّحيل وحُبِس أولُهم على آخرهم فليت شعري ما الذي قال‏:‏ وأربعةٌ من قريش كانوا رواةَ النّاس للأشعار وعلماءَهم بالأنساب والأخبار‏:‏ مَخْرَمةُ بن نوفِل بن وُهَيب بن عبد مناف بن زُهْرة وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم ابن عامر بن عبد اللَّه بن عوف وحويطب بن عبد العُزَّى وعَقِيل بن أبي طالب وكان عَقِيلٌ أكثرهم ذكراً لمثالب النّاس فعادَوْه لذلك وقالوا فيه وحمّقوه وسِمَعتْ ذلك العامّةُ منه فلا تزال تسمع الرّجلَ يقول‏:‏ قد سمعتُ الرّجُلَ يحمِّقه حتَّى ألّف بعضُ الأعداء فيه الأحاديثَ فمنها قولهم‏:‏ ثلاثة حمقى كانوا إخوةَ ثلاثةٍ عقلاءَ والأمُّ واحدة‏:‏ عليٌّ وعَقِيل وأمُّهما فاطمةُ بنت أسد بن هاشم وعتبةُ ومعاوية ابنا أبي سفيان وأمُّهما هندُ بنت عتبةَ بن ربيعة وعبد الملك ومعاوية ابنا مروان وأمُّهما عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص فكيف وجعدةُ بن هُبيرةَ يقول‏:‏ من الطويل أبي من بني مخزومٍ إنْ كنتَ سائلاً ومن هاشمٍ أمِّي لخيرِ قبيلِ فمن ذا الذي يبْأى عَليَّ بخالِه وخالي عليٌّ ذو الندى وعَقيلُ وقال قُدامة بن موسى بن قُدامة بن مظعون‏:‏ من الطويل وخالي بُغاةُ الخيرِ تَعلم أنّهُ جديرٌ بقول الحقّ لا يتوعَّرُ وجدِّي عليٌّ ذو التقى وابنُ أمِّه عَقيلٌ وخالي ذو الجَناحين جَعفر فنحن ولاةُ الخير في كلِّ مَوطنٍ إذا ماونَى عنه رجالٌ وقصَّروا إنّ خالي خطيبُ جابيةِ الجَوْ - لانِ عند النُّعمان حين يقومُ وهو الصَّقْرُ عند باب ابن سَلْمَى يوم نُعمانُ في الكُبُول مُقِيمُ وسَطَتْ نسبتي الذَّوائبَ منهم كلُّ دارٍ فيها أبٌ لي عظيم وأبي في سُمَيحة القائل الفا - صِلُ يومَ التفّت عليه الخصومُ يَفصل القولَ بالبيان وذو الرأ - ي من القوم ظالمٌ مكعومُ تلك أفعالُه وفعل الزِّبعْرَى خاملٌ في صديقه مذمومٌ رُبهَ حلمٍ أضاعه عدم الما - لِ وجهلٍ غطَّى عليه النَّعيمُ وليَ البَأْسَ منكُم إذا أبيتم أسرةٌ من بني قُصَيٍّ صميمُ وقريشٌ تجول منا لِوَاذاً أن يُقيموا وخَفَّ منها الحلومُُ لم تطق حَمْلَه العواتق منهمُ إنّما يحمل اللواءَ النُّجومُ وكانَ عَقِيلٌ رجلاً قد كُفَّ بصرُه وله بعدُ لسانُه وأدبُه ونسبهُ وجوابه فلما فَضَلَ نُظَراءَه من العلماء بهذه الخصال صار لسانُه بها أطولَ وغاضب عليّاً وأقام بالشَّام وكان ذلك أيضاً مما أطلَق لسان الباغي والحاسِد فيه وزعموا أنّه قال له معاوية‏:‏ هذا أبو يزيد لولا أنه عَلم أنِّي خيرٌ وقال له مرّة بصِفِّين‏:‏ أنت معنايا أبا يزيدَ الليلة قال‏:‏ ويوم بدرٍ قد كنتُ معكم وقال معاويةُ يوماً‏:‏ يا أهلَ الشام هل سمعتم قول اللَّه تبارك وتعالى في كتابه‏:‏ ‏"‏ تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبْ وَتَبَّ ‏"‏ المسد‏:‏ 1 قالوا‏:‏ نَعَم قال‏:‏ فإنّ أبا لهب عمُّه فقال عَقيل‏:‏ فهل سمعتم قول اللَّه جلّ وعزّ‏:‏ ‏"‏ وَامرأَتُه حَمَّالَةُ الحَطَبِ ‏"‏ المسد‏:‏ 3 قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ فإنها عَمَّتُه قال معاوية‏:‏ حسبُنا ما لقِينا من أخيك وذكروا أنّ امرأة عَقيلٍ وهي فاطمةُ ابنة عتبة بن ربيعة قالت‏:‏ يا بني هاشم لا يحبّكم قلبي أبداً أين أبي أين عمِّي أين أخي كأنَّ أعناقَهم أباريق الفِضَّة ترِدُ آنُفُهم قبلَ شِفاهِهم قال لها عَقيل‏:‏ إذا دَخلت جهنَّمَ فخذي عن شمالك وقيل لعمَر رحمه اللَّه‏:‏ فلان لا يعرف الشَّرَّ قال‏:‏ ذلك أجدَرُ أن يَقعَ فيه قال‏:‏ وسمع أعرابيٌّ رجلاً يقرأ‏:‏ ‏"‏ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْري بأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِر ‏"‏ القمر‏:‏ 3 - 14 قالها بفتح الكاف فقال الأعرابيّ‏:‏ لا يكون فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء فقال الأعرابيّ‏:‏ يكون

 بَاب من الشعر فيه تشبيه الشيء بالشيء

قال الشاعر‏:‏ من الطويل سَرى مِثلَ نبْضِ العِرْق والليل دونه وأعلام أُبْلَى كلُّها والأسالقُ وقال آخر‏:‏ من الطويل أرِقتُ لبرقٍ آخرَ اللّيلِ يلمعُ سَرَى دائباً حيناً يَهُبُّ ويهجعُ سرى كاحتساءِ الطَّيرِ والليلُ ضاربٌ بأرواقِه والصُّبحُ قد كاد يسطعُ حدثني إبراهيم بن السّنديّ عن أبيه قال‏:‏ دخل شابٌّ من بني هاشم على المنصور فسأله عن وفاة أبيه فقال‏:‏ مَرِض أبي رضي اللَّه عنه يوم كذا ومات رضي اللَّه عنه يوم كذا وترك رضي اللَّه عنه من المال كذا ومن الولَد كذا فانتهره الرَّبيعُ وقال‏:‏ بين يَدَيْ أميرِ المؤمنين تُوالي بالدُّعاء لأبيك فقال الشَّابُّ‏:‏ لا ألومك لأنك لم تعرِفْ حلاوةَ الآباء فما علمنا أنَّ المنصور ضحك في مجلسه ضحكاً قطُّ فافترَّ عن نواجِذِه إلاّ يومئذ وحدثني إبراهيم بن السِّنْديّ عن أبيه قال‏:‏ دخل شابٌّ من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ذات يومٍ ودعا بغدَائه فقال للفتى‏:‏ ادْنُهْ قال الفتى‏:‏ قد تغدَّيتُ يا أمير المؤمنين فكفَّ عنه الربيع حتى ظنَّنا أنه لم يَفْطِنْ لخطابه فلمَّا نَهَض إلى الخروج أَمهلَه فلمّا كان من وراءِ السِّتر دفع في قفاه فلما رأى ذلك الحُجَّابُ منه دفعوا في قفاه حتَّى أخرجوه من الدّار فدخل رجالٌ من عُمومة الفتى فشكَوا الرَّبيعَ إلى المنصور فقال المنصور‏:‏ إنّ الربيع لا يُقدِم على مثل هذا إلا وفي يَدَيْه حُجَّة فإن شئتمْ أغضيتم على ما فيها وإن شئتمْ سألتُه وأتم تسمعون قالوا‏:‏ فسَلْهُ فدعا الرَّبيعَ وقَصُّوا قصَّتَهُ فقال الربيع‏:‏ هذا الفتى كان يسلِّم من بعيدٍ وينصرف فاستدناه أمير المؤمنين حتى سلّم عليه من قريب ثم أمره بالجلوس ثم تبذّل بين يديه وأكل ثم دعاه إلى طعامه ليأكل معه من مائدته فبلغ من جهله بفضيلة المرتبة التي صَيَّرَهُ فيها أن قال حين دعاه إلى غدَائه‏:‏ قد تغدّيت فإذا ليس عندَه لمن تَغدَّى مع أمير المؤمنين إلاّ سَدُّ خَلّة الجوع ومثل هذا لا يقوِّمُه القَولُ دون الفعل وحدثنا إبراهيمُ بن السِّنديِّ عن أبيه قال‏:‏ واللَّه إني لَواقفٌ على رأس الرَّشيد والفَضْلُ بن الربيع واقف في الجانب الآخر والحسن اللؤلؤيُّ يحدِّثه ويسائله عن أمور وكان آخر ما سأله عن بيع أُمّهات الأولاد فلولا أنِّي ذكرتُ أنّ سلطان ما وراء السِّتر للحاجب وسلطانَ الدّار لصاحب الحَرَس وأنّ سلطاني إنما هو على من خرج من حُدود الدَّار لقد كنت أخذتُ بضَبْعه وأقمتُه فلمَّا صِرْنا وراءَ السّتْر قلت له والفضل يسمع‏:‏ أمَا واللَّه لوكان هذا منك في مسايرةٍ أو موقفٍ لعلمتُ أن للخلافة رجالاً يصونونها عن مجلسك وحدَّثني إبرهيم بن السندي قال‏:‏ بينا الحسنُ اللؤلؤي في بعض الليالي بالرَّقَّة يحدّث المأمون والمأمون يومئذ أمير إذْ نَعَس المأمون فقال له اللؤلؤيّ‏:‏ نمتَ أيُّها الأمير ففتح المأمونُ عينيه قال‏:‏ وكُنَّا يوماً عند زياد بن محمد بن منصور بن زياد وقد هَيّأ لنا الفضلُ بن محمد طعاماً ومعنا في المجلس خادم كان لأبيهم فجاء رسول الفضل إلى زيادٍ فقال‏:‏ يقول لك أخُوك‏:‏ قد أدرك طعامُنا فتحوَّلوا ومعنا في المجلس إبراهيم النّظَّام وأحمدُ بن يوسف وقُطرُبٌ النحوي في رجالٍ من أُدَباء الناس وعلمائهم فما مِنَّا أحدٌ فطِنَ لخطأ الرسول فأقبل عليهم مبشِّرٌ الخادم فقال‏:‏ يا ابن اللَّخْناء تقِفُ على رأس سيِّدك فتستفتح الكلام كما تستفتحه لرجلٍ من عُرْض النّاس ألا تقول‏:‏ يا سيدي يقول لك أخوك‏:‏ ترى أن تصيرَ إلينا بإخوانك فقد تهيَّأَ أمرُنا وابتعت خادماً كان قد خدم أهل الثروة واليسار وأشباهَ الملوك فمرَّ به خادم من معارفه ممن قد خدَمَ الملوك فقال له‏:‏ إن الأديب وإن لم يكن ملكاً فقد يجب على الخادم أن يخدُمه خِدمةَ الملوك فانظر أن تخدُمه خدِمَةً تامة قلت له‏:‏ وما الخدمة التّامة قال‏:‏ الخدمة التامة أن تقوم في دارك لبعض الأمر وبينك وبين النَّعل مَمْشَى خَمْس خُطاً فلا يدعَك أن تمشيَ إليها ولكن يأخْذها ويُدنيها منك ومَن كان يضع النَّعْلَ اليُسرىَ قُدَّامَ الرِّجل اليمنى فلا ينبغي لمثل هذا أن يدخلَ على دار مَلك ولا أديب ومن الخدمة التّامّة أن يكون إذا رأى مُتَّكَأً يحتاج إلى مخَدَّةٍ ألاَّ ينتظر أمرَك ويتعاهدَ لِيقةَ الدَّواة قبل أن تأمرَ أن يصبَّ فيه ماءَ أو سواداً وينفُضَ عنه الغُبارَ قَبْلَ أنْ يأتيَك به وإنْ رأى بين يديك قرطاساً على طَيِّه قطع رأسَه ووضَعَه بين يديك على كَسْرهِ وأشباهُ ذلك قال‏:‏ ولمّا كلّم عُروة بن مسعودٍ الثَّقفي رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في ذلك ربّما مَسَّ لحيةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له المغيرةُ بن شُعبة نحّ يدَك عن لحية رسول اللَّه عليه السلام قبل ألاّ ترجع إليك يدُك فقال عروة‏:‏ يا غُدَرُ هل غَسلتُ رأسَك من غَدْرتِك إلاّ بالأمس قال‏:‏ ونادى رجالٌ من وفد بني تميمٍ النبيّ صلى الله عليه وسلم باسمه من وراء الحجرات فأنزل اللَّه تبارك وتعالى في ذلك‏:‏ ‏"‏ إنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أكثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ‏"‏ الحجرات‏:‏ 4 وقال اللَّه جلّ ذِكْرُه‏:‏ ‏"‏ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكم كدُعاءِ بَعْضِكم بَعْضاً ‏"‏ النور‏:‏ 3 وقال ابن هَرْمَةَ أو غيره‏:‏ من الكامل للَّه دَرُّ سَمَيْدَعٍ فَجَعَتْ به يومَ البَقِيع حوادثُ الأيّامِ هشٌّ إذا نزل الوفودُ ببابه سهلُ الحجابِ مؤدَّبُ الخُدّامِ فإذا رأيت صديقَه وشقيقَه لم تدر أيُّهما أخو الأرحامِ قال أبو الحسن‏:‏ بينا هشامٌ يسير ومعه أعرابيٌّ إذِ انتهى إلى مِيل عليه كتاب فقال للأعرابي‏:‏ انظُرْ أيُّ ميلٍ هذا فنظر ثم رجع إليه فقال‏:‏ عليه مِحْجَنٌ وحَلْقَةٌ وثلاثة كأطباء الكَلْبة ورأسٌ كأنه رأس قطاةٍ فعرفه هشامٌ بصورة الهجاء ولم يعرفه الأعرابيُّ وكان عليه خَمْسَة نوادر الأعراب استشهدوا أعرابيّاً على رجلٍ وامرأة فقال‏:‏ رأيته قد تَقَمَّصها يحفزُها بمؤخَّره ويجذبها بمقدَّمه وخفِيَ عليَّ المسلك وقال آخر‏:‏ رأيتُه قد تبطَّنَها ورأيتُ خَلخالاً شائلاً وسمعت نَفَساً عالياً ولا علمِ لي بشيءٍ بَعْدُ وقال أعرابيٌّ‏:‏ رأيت هذا قد تناوَل حَجَراً فالتفَّ بهذا وحجَزَ النّاسُ بينهما وإذا هذا يستدمِي وقال بعضهم‏:‏ الشيب نذير الآخرة وقال قيس بن عاصم‏:‏ الشيب خِطام المنيَّة وقال آخر‏:‏ الشّيب توْءَم الموت وقال الحكيم‏:‏ شيب الشَّعَر موتُ الشَّعَر وموت الشَّعَر عِلَّة موت البَشَر وقال المعتمِر بن سُليمان‏:‏ الشّيب أوَّلُ مراحل الموت وقال السَّهميّ‏:‏ الشيب تمهيد الحِمَام وقال العَتّابيّ‏:‏ الشيب تاريخ الكِتاب وقال النَّمريّ‏:‏ الشيب عنوان الكِبَر وقال عديُّ بن زيدٍ العِباديُّ‏:‏ من الخفيف وابيضاضُ السَّواد من نُذُرِ المْو - ت وهل مثلُه لحيٍّ نَذيرُ أصبح الشَّيْب في المفارق شاعا واكتسَى الرَّأسُ من بياضٍ قِناعا ثمّ ولّى الشباب إلاّ قليلاً ثم يأبى القليلُ إلاّ نِزَاعا قال‏:‏ وقال رجلٌ لأشعبَ‏:‏ ما شكرتَ معروفي عندك قال‏:‏ لأنّ معروفَك جاء من عند غير مُحْتَسِب فوقع إلَى غيرِ شاكر وخفّفَ أشعبُ الصلاةَ مرّةً فقال له بعض أهل المسجد‏:‏ خفَّفتَ صلاتَك جِدّاً قال‏:‏ لأنه لم يخالطْها رياء

 كلام بعض المتكلمين من الخطباء

الحمدُ للَّه كما هو أهلُه والسلام على أنبيائه المقرَّبين الطيِّبين أخي لا تَغتَرَّنَّ بطُول السلامة مع تضييع الشُّكر ولا تُعمِلنَّ نعمةَ اللَّه في معصيته فإنَّ أقلَّ ما يجب لمهُديها أَلاّ تجعلَها ذريعةً في مخالفته واعلم أن النِّعم نَوافِر ولقلّما أقشَعَتْ نافرةٌ فرجعَتْ في نصابِها فاستدعِ شاردَها بالتَّوبة واستدِم الرَّاهِنَ منها بكرَم الجِوار واستفتِحْ بابَ المزيد بحُسْن التّوكُّل ولا تحسَبْ أنّ سُبوغَ سِتْر نعَمِ اللَّه عليك غيرُ متقلِّصٍ عمّا قريب إذا لم تَرْجُ للَّه وَقاراً وإني لأخشى أن يأتيَك أمرُ اللَّه بغتةً أو الإملاءُ فهو أَوْبأ مَغَبَّة وأثبت في الحجَّة ولأَنْ لا تعمل ولا تعلمَ خير من أن تعلَم ولا تعمل إنَّ الجاهل لم يُؤتَ من سُوءِ نِيَّةٍ ولا استخفاف بربُوبيًَّةٍ وليس كمن قهرته الحُجَّة وأعرب له الحقُّ مفْصِحاً عن نفسه فآثَرَ الغفلة والخسيسَ من الشَّهوة على اللَّه عزّ وجلّ فأسمَحَتْ نفسُه عن الجنَّة وأسلَمَها لآبِدِ العقوبةُ فاستشِرْ عقلَكَ وراجِع نفْسَك وادرسْ نِعَم اللَّه عندك وتذكَّرْ إحسانَه إليك فإنه مَجْلَبَةٌ للحياء ومَردعةٌ للشهوة ومَشْحَذَةٌ على الطاعة فقد أظَلّ البلاءُ أو كأنْ قَدْ فكفكِفْ عنك غَرْبَ شؤبوبهُ وجوائحَ سَطْوته بسرعة النزوع وطول التضرُّع ثلاثٌ هي أسرَعُ في العقل من النار في يبيس العَرْفَج‏:‏ إهمال الفكرة وطولُ التَّمنِّي والاستغرابُ في الضَّحك إنَّ اللَّه لم يخلق النارَ عبَثاً ولا الجنَّةَ هَمَلاً ولا الإنسانَ سُدىً فاعترفْ رقَّ العُبوديَّة وعَجْزَ البَشَرِيَّة فكلهُ زائدٍ ناقصٌ وكلُّ قرينٍ مفارِقٌ قرينَه وكلُّ غنِيّ محتاجٌ وإنْ عصفَتْ به الخُيَلاءُ وأبْطَرَه العُجْب وَصَاَل على الأقْران فإنه مُذَالٌ مدبّر ومقهور مُيَسَّر إنْ جاع سَخِط المِحْنة وإنْ شَبع بَطِرَ النِّعمة تُرضِيه اللَّمحة فيستشري مَرَحاً وتُغْضِبه الكلمةُ فيستطير شِقَقاُ حتى تنفسخ لذلك مُنَّتُهُ وتنقض مَرِيرتُهُ وتضطرب فريصَته وتنتشِر عليه حُجَّتُه ولَلعجَبُ من لبيبٍ توبِقه الحِياطة ويَسلَم مع الإضاعة ويؤتَى من الثِّقة ولا يشعُر بالعاقبة إن أُهمِلَ عَمِيَ وإنْ عُلِّمَ نَسي كيف لم يتَّخذ الحقّ مَعْقِلاً يُنْجيه والتّوكّل ذائداً يحميه أعَمِيَ عن الدَّلالة وعَنْ وُضوع الحجَّة أم آثَرَ العاجَل الخسيس على الآجِل النَّفيس وكيف توجَد هذه الصِّفة مع صِحّة العُقْدةُ واعتدال الفِطرة وكيف يُشيرُ رائدُ العقل بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي وما أَظنُّ الذي أقْعَدَك عن تناوُل الحظّ مع قُرْب مَجْنَاه حتى صار لا يَثنيك زجرُ الوَعيد ولا يكدح في عَزماتك فَوتُ الجنَّة حتى ثقُلَتْ على سمعك الموعظة ونَبَتْ عن قلبك العِبرةُ إلاّ طُولُ مجاوَرِةِ التقصير واعتيادُ الراحة والأُنْس بالهُوَينى وإيثارُ الأخفِّ وإلفُ قَرن السَّوء فاذكر الموتَ وأدم الفكرةَ فيه فإنّ من لم يعتبر بما يرى لم يَعتبر بما لا يرى وإن كان ما يوجد بالعيان من مواقع العِبرة لا يكشفُ لك من قبيح ما أنت عليه وهُجْنةِ ما أصبحتَ فيه من إيثار باطلك على حقِّ اللَّه واختيار الوَهْن على القوَّة والتفريطِ على الحَزْم والإسفاف إلى الدُّونُ واصطناعِ العار والتعرُّضِ للمقْت وبسطِ لسانِ العائب - فمستنبطَاتُ الغَيب أحرَى بالعجْز عن تَحريكك ونَقْلِكَ عن سُوء العادة التي آثرْتَها على ربِّك فاستَحْي للُبِّك واستبق ما أفضلَ الخذْلانُ من قُوَّتك قبل أن يستوْلِيَ عليك الطَّبَع ويشتدّ بك العجْز أوَ ما علمتَ أنّ المعصية تُثْمِر المذلّة وتَفُلّ غَرْبَ اللِّسان مع السَّلاَطة بل ما علمْتَ أن المستشعِر بذُلِّ الخطيئة المخرجَ نفسَه من كَنَف العِصمة المتحلِّيَ بدنَس الفاحشة نطِفُ الثَّناءُ زَمِرُ المروءةُ قَصيُّ المجلس لا يُشاوَر وهو ذو بَزْلاءُ ولا يُصدَّر وهو جميل الرُّواءُ يُسالم مَن كان يسطو عليه ويَضْرَع لمن كان يرغَب إليه يَجْذَلُ بحاله المبغِضُ الشانئُ ويُثْلَبُ بقربه القريب الدانيُ غامض الشَّخْص ضئيل الصوت نَزْرُ الكلام متلجلج الحُجَّة يتوقَّع الإسكاتَ عند كل كلمةٍ وهو يَرى فضْلَ مَزيَّتِه وصريحَ لُبِّه وحُسن فَضِيلَته ولكنْ قطَعَهُ سوءُ ما جَنَى على نفسه ولو لم تطَّلع عليه عيون الخليقة لهجست العقولُ بإدْهانهُ وكيف يمتنع من سقوط القَدْر وظنِّ المتفرِّس مَن عَرِيَ عن حِلْية التقوى وسُلِبَ طابَعَ الهُدَى ولو لم يَتغَشَّه ثوبُ سريرته وقبيحُ ما احتجن إليه من مخالفته ربَّه لأضرعَتْه الحجَّةُ ولفسخَه وهْنُ الخطيئة ولقطعه العِلمُ بقبيح ما قارفُ عن اقتدارِ ذوي الطَّهارة في الكلام وإدلالِ أهلِ البَراءة في النديِّ هذه حالُ الخاطئ في عاجل الدُّنيا فإذا كان يومُ الجزاء الأكبر فهو عانٍ لا يُفَكُّ وأسيرٌ لا يُفَادَى وعاريَّةٌ لا تُؤدَّى فاحْذَرْ عادةَ العجز وإلف الفكاهة وحبَّ الكفاية وقلَّة الاكتراث للخطيئة والتأسُّفَ على الفائت منها ضعفَ النَّدم في أعقابها أخي أنعَى إليك القاسيَ فإنه ميِّت وإن كان متحرِّكاً وأعْمَى وإن كان رائياً واحذر القَسْوَةَ فإنها رأسُ الخطايا وأمارة الطَّبَعُ وهي الشَّوهاء العاقر والداهيةُ العُقام وأراك ترتكض في حبائلهاُ وتستقبِسُ من شَرَرها ولا بأس أن يعظ المُقصِّرُ ما لم يكن هازلاً ولن يَهلِك امرؤٌ عَرف قَدْرَه ورُبَّ حامِل علمٍ إلى مَن هو أعلم منه علّمنا اللَّه وإياكم ما فيه نجاتُنا وأعاننا وإياكم على تأدية ما كُلِّفْنا والسلام قال‏:‏ وقلت لِحُبَابِ‏:‏ إنّكَ لتكْذِبُ في الحديث قال‏:‏ وما عليك إذا كان الذي أزيدُ فيه أحسنَ منه فواللَّهِ ما ينفعُك صدقُه ولا يضرُّك كذبُه وما يدور الأمرُ إلاّ على لفظٍ جيِّد ومعنىً حسن ولكنَّك واللَّه لو أردتَ ذلك لَتَلَجْلَجَ لسانُك ولَذهَب كلامك وقال أبو الحسن‏:‏ سَمِع أَعرابيٌّ مؤذِّناً يقول‏:‏ أشهد أنّ محمداً رسولَ اللَّه قال‏:‏ يفعل ماذا قال‏:‏ وكان يقال‏:‏ أوّل العلم الصَّمت والثاني الاستماع والثالث الحِفْظ والرابع العمل به والخامس نَشْرُهُ أبو الحسن قال‏:‏ قرأ رجلٌ في زمن عمر بن الخطاب رحمه اللَّه‏:‏ ‏"‏ فإن زلَلَتم من بعد ما جاءتكم البيِّناتُ فاعلموا أنَّ اللَّه غفورٌ رحيمُ ‏"‏ البقرة‏:‏ 209‏:‏ فقال أعرابيٌّ‏:‏ لا يكون قال‏:‏ ودخل على المهديّ صالحُ بن عبد الجليل فسأله أن يأذن له في الكلام فقال‏:‏ تكلمْ فقال‏:‏ إنّا لمّا سهُلَ علينا ما توعَّر على غيرنا من الوصول إليك قمنا مَقام الأداءِ عنهم وعن رسول اللَّه ِصلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عُذْر الكتمان في التّقيَّة ولا سيَّما حين اتَّسمْتَ بميسم التواضُع وَوَعَدْتَ اللَّهَ وحَمَلَةَ كتابه إيثارَ الحقِّ على ما سواه فجمَعَنا وإياك مَشهدٌ من مشاهد التمحيص ليتمّ مُؤَدِّينا على موعود الأداء عنهم وقابلنا على موعود القَبول أو يُردَّنا تمحيصُ اللَّه إيّانا في اختلاف السّرّ والعلانية ويحلِّينا تحلية الكاذبينُ فقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون‏:‏ مَن حجب اللَّه عنه العِلم عذَّبه على الجهل وأشدُّ منه عذاباً مَن أقبل عليه العلمُ وأدبَرَ عنه ومَن أهدى اللَّه إليه علماً فلم يَعمل بهِ فقد رغب عن هديَّة اللَّه وقصَّرَ بها فاقبَلْ ما أهدَى اللَّه إليك على أسنتنا قَبولَ تحقيقٍ وعمل لا قَبولاً فيه سُمْعةٌ ورِيَاءُ فإنه لا يُعْدِمُكَ منّا إعلامٌ بما تجهلُ أو مُوَاطَأَة على ما تعلم أو تذكيرٌ لك من غفلةٍ فقد وَطّنَ اللَّه جلّ وعَزَّ نَبيَّه عليه السلام على نزولها تعزيةً عمّا فات وتحصيناً من التّمادِي ودلالةً على المخْرج فقال‏:‏ ‏"‏ وَإما يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللهَِّ إنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ ‏"‏ فصلت‏:‏ 36 فَأطْلِعِ اللَّهَ على قلبك بما يُنَوِّرُ به القلوب من إيثار الحقِّ ومنابذة الأهواء فإنّك إن لم تفعل ذلك يُرَ أَثَرك وأثرُ اللَّه عليك فيه ولا حولَ ولاقوَّةَ إلاَّ باللَّه قال‏:‏ ودخَل رجلٌ على معاوية وقد سقطت أسنانُه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنّ الأعضاء يرثُ بعضها بعضاً فالحمد للَّه الذي جعلك وارثَها ولم يجعلْها وارثتَك وحدّثنا إسماعيلُ بن عُلَيّة قال‏:‏ حدّثنا زياد بن أبي حسان أنّه شهد عُمَرَ بنَ عبد العزيز رحمه اللّه حين دفن ابنَه عبد الملك فلما سُوِّيَ عليه قبرُه بالأرض وجعلوا على قبره خشبتَينِ من زيتونٍ إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه ثم جَعل قبرَه بينه وبين القبلة واستوى قائماً وأحاط به الناس قال‏:‏ رحمك اللَّه يا بُنَيَّ فلقد كنتَ برّاً بأبيك وما زلتُ مُذ وهبك اللَّه لي بك مسروراً ولا واللَّه ما كنتُ قطُّ أشدَّ بك سروراً ولا أرْجَى لحظّي من اللّه فيك منِّي مُذْ وضعتُك في هذا الموضع الذي صَيَّرك اللَّه إليه فغفر اللَّهُ ذنبَك وجَزَاك بأحسن عَملِك وتجاوَزَ عن سيِّئتك ورحم اللَّه كلَّ شافعٍ يشفع لك بخيرٍ من شاهدٍ أوْ غائب رَضِينا بقضاء اللَّهِ وسلّمْنا لأمره فالحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين ثم انصرف وحدَّثني محمد بن عُبيد اللَّه بن عمرو قال‏:‏ أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قال‏:‏ قال لي عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة‏:‏ جاءت هذه الدَّولة وأنا حديثُ السِّنِّ كثيرُ العِيال منتشِر الأموال فكنتُ لا أكون في قبيلةٍ إلاّ شُهِرَ أمري فلمَّا رأيتُ ذلك عزمتُ على أن أفِديَ حُرَمِي بنفسي قال المبارك‏:‏ فأرسَلَ إليّ‏:‏ أن وافنِي عند باب الأمير سليمان بن عبد الملك قال‏:‏ فأتيته فإذا عليه طيلسانٌ أبيضُ مُطْبَقٌُ وسراويلُ وشيء مسدولة قال‏:‏ فقلت‏:‏ سبحان اللَّه ما تَصنع الحداثة بأهلها إن هذا لَيس لباس هذا اليوم قال‏:‏ لا واللَّه ولكن ليس عندي ثوبٌ إلاَّ أشهرَ مما ترى قال‏:‏ فأعطيتُه طيلساني وأخذتُ طيلسانَه ولويتُ سراويلَه إلى رُكبتَيه قال‏:‏ فدخل ثم خرجَ إليّ مسروراً قال‏:‏ قلت‏:‏ حدِّثنا ما جرى بينك وبين الأمير قال‏:‏ دخلتُ عليه ولم يَرَني قبلَ ذلك فقلت‏:‏ أصلح اللَّه الأمير لفظتني البلادُ إليك ودلَّني فضلُك عليك فإما قبلتَني غانماً وإما رددتَني سالماً قال‏:‏ ومَن أنتَ أعرفْك قال‏:‏ فانتسبت له فقال‏:‏ اقعدْ فتكلَّمْ غانماً سالماً ثمْ أقبَلَ عليّ فقال‏:‏ حاجتَك يا ابنَ أخي قال‏:‏ قلتُ‏:‏ إن الْحُرَم اللاتي أنت أقربُ الناس إليهنَّ معنا وأولى الناس بهنَّ بعدنا قد خِفْنَ بخَوْفِنا ومَن خاف خِيف عليه قال‏:‏ فواللَّه ما أجابني إلاّ بدموعه على خدَّيه قال‏:‏ يا ابن أخي يُحْقَن واللَّه دمُك وتُحفَظ حرمُك ويُوفَّر عليك مالُك ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلْت قال‏:‏ فقلتُ‏:‏ أكون مُتوارياً أو ظاهراً قال‏:‏ كن متوارياً كظاهر فكنت واللَّهِ أكتبُ إليه كما يكتب الرَّجُل إلى أبيه وعمّه قال‏:‏ فلما فرغ من الحديث رددتُ إليه طيلسانَه فقال‏:‏ مهلاً إنّ ثيابنا إذا فارقَتْنا لم تَرْجِعْ إلينا ومن أحاديث النوكى حديث أبي سعيد الرفاعي‏:‏ سُئل عن الدُّنيا والدائسةُُ فقال‏:‏ أمّا الدّنيا فهذه الذي أنتم فيها وأما الدَّائسة فهي دارٌ أخرى بائنة من هذه الدَّار لم يَسمع أهلُها بهذه الدَّار ولا بشيءٍ من أمرها وكذلك نحنُ لم نسمع بشيء من أمرها إلاّ أنّه قد صحّ عندنا أن بيوتَهم من قِثَّاء وسقوفَهم من قِثَّاء وأنعامَهم من قثّاء وخيلَهم من قثّاء وهم في أنفسهم من قثّاء وقِثّاؤهم أيضاً من قثّاء قالوا له‏:‏ يا أبا سعيد زعمتَ أنّ أهلَ تلك الدَّار لم يَسمَعوا بهذه الدار ولا بشيء من أمرها وكذلك نحن لهم وأراك تُخْبرنا عنهم بأخبارٍ كثيرة قال‏:‏ فمن ثَمَّ أنا أعجَبُ زيادةً قالوا‏:‏ ذَمّ رجلٌ عند الأحنف الكَمْأَةَ بالسَّمن فقال الأحنف‏:‏ رُبَّ مَلومٍ لا ذَنْبَ لهُ عبد اللَّه بن مسلم عن شَبَّةَ بن عِقَالٍ أنّ رجلاً قال في مجلس عُبيد اللَّه بن زياد‏:‏ ما أطيَبُ الأشياءِ فقال رجلٌ‏:‏ ما شَيْءٌ أطيبَ من تَمْرَة نِرْسِيانٍ كأنّها من آذان النَّوكى عَلَّيتَها بزُبْدةُ وقال أوس بن جابرٍ لابن عامرُ‏:‏ من الكامل ظلّت عُقَابُ النُّوك تَخفقُ فوقَه رِخْوٌ طَفاطفهُ قديمُ الملعبِ قد ظلَّ يُوعدني وعينُ وَزيرِه خضراءُ خاسفة كعَين العقربُ يعني بوزيره عبد اللَّه بن عُمير الليثيُ وكان أخاه لأمِّه أمُّهُما دَجاجة بنت أسماءَ السُّلَميَّةُ وقال ابن مَنُاذر في خالد بن عبد اللَّه بن طليق الخُزاعيّ وكان المهديُّ استقضاه وعَزَل عُبيدَ اللَّه بن الحسن العنبريُّ‏:‏ من الطويل أتَى دهرنَا والدّهرُ ليس بمُعْتِب بآبدةٍ والدّهرُ جَمُّ الأوابدِ بعَزْلِ عبيدِ اللَّه عنّا فيا لَهُ خلافاً وباستعمال ذي النّوكِ خالدِ بِحَيرَانَ عن قَصْد الطريق ترُدُّه خيانةُ سَلاّمِ ولحية فايدِ أذلك من ريب الزّمان وصَرفِهِ وأحداثه أم نحن في حُلم راقِدُ وقال أيضاً‏:‏ من السريع قُلْ لأمير المؤمنين الذي مِن هاشمِ في سِرِّها واللُّبَابْ إنْ كنت للسَّخْطة عاقبتنا بخالدٍ فهْوَ أشدّ العذابْ يا عجباً مِن خالدٍ كيف لا يُخطئ فينا مَرةً بالصَّوابُْ وقال‏:‏ مجزوء الرمل خالدٌ يحكم في النّاسِ بحكم الجاثَليقِ يا أبا الهيْثمِ ما كنْتَ لهذا بخليق لا ولا أنتَ لما حُمّلْتَ منه بمطيقِ أيُّ قاضٍ أنت للظُّلْمِ وتعطيلِ الحُقوقِ وقال‏:‏ من السريع يَقطع كفّ القاذف المفترِي ويجلد اللّص ثمانينا سَقياً ورعياً لك من حاكم يُحْيِي لنا السُّنْةَ والدّينا وقال زُهرَة الأهوازيّ‏:‏ من السريع يا قومِ مَن دَلّ عَلَى عالمٍ يعلم ما حَدُّ حِرٍ سارقُِ وقال آخر‏:‏ من الطويل وإنِّى لمَضّاءٌ على الهوى واحداً ولو ظلَّ ينهاني أخيفشُ شاحجُ تُشَبَّهُ للنّوكَى أمورٌ كثيرةٌ وفيها لأكياس الرّجالِ مَخَارجُ وقال آخر‏:‏ ولا يعرِفون الشَّرَّ حتى يصيبَهُمْ ولا يعرِفون الأمرَ إلاّ تدبُّرَا إذا ظَعَنوا عن دار ضيمٍ تَعاذَلُوا عليها وردُّوا وفْدَهم يستقيلُها وقال النابغة‏:‏ ولا يَحسِبون الخيرَ لا شرّ بعدَه ولا يحسبون الشَّرَّ ضربةَ لازبِ والعرب تقول‏:‏ أخزَى اللَّه الرّأي الدَّبَرِيَّ وقالوا‏:‏ وجّه الحجاج إلى مطهَّر بن عمّار بن ياسرٍ عبد الرحمن بنَ سُليم الكلبي فلما كان بحُلوانَ أتْبعَه الحجّاجُ مَدَداً وعَجَّل عليه بالكتاب مع تُخَيتِ الغَلَط - وإنَّما قيل له ذلك لكثرة غلطه - فمر تُخَيتٌ بالمََدَد وهم يُعرَضون بخانِقينُ فلما قدم على عبد الرحمن قال له‏:‏ أين تركتَ مَدَدَنا قال‏:‏ تركتهم يُخْنَقُون بعارضِين قال‏:‏ أو يُعرَضُون بخانقين قال‏:‏ نَعَم اللَّهمَّ لا تُخانِقْ في بارِكين ولما ذهب يجلس ضَرَطَ وكان عبد الرحمن أراد أن يقول له‏:‏ ألا تَغَدَّى فقال له‏:‏ ألا تَضْرِط قال‏:‏ قد فعلتُ أصلحك اللَّه قال‏:‏ ما هذا أردتُ قال‏:‏ صدقتَ ولكن الأمير غَلِطَ كما غَلِطنا فقال‏:‏ أنا غَلطْتُ من فمي وغَلِط هو من استه

 باب من البَلَهِ الذي يعتري من قِبَلِ العبادة وترك التعرضُّ للتجارب

وهو كما قال أبو وائل‏:‏ أسمعكم تقولون‏:‏ الدّانق والقيراط فأيُّهما أكثر قالوا‏:‏ وكان عامرُ بن عبد اللَّه بن الزُّبيرُ في المسجد وكان قد أخذ عطاءَه فقام إلى منزله ونَسِيَهُ فلمّا صار في منزله وذكرَهُ بعث رسولاً ليأتيه به فقيل له‏:‏ وأين تجد ذلك المال فقال‏:‏ سبحان اللَّه أوَ يأخذ أحدٌ ما ليس له أبو الحسن قال‏:‏ قال سَعيد بنُ عبدِ الرحمن الزُّبيريُ قال‏:‏ سُرِقتْ نعلُ عامر ابن عبد اللَّه الزُّبيري فلم يتّخِذْ نعلاً حتَّى مات وقال‏:‏ أكره أن أتَّخِذ نعلاً فلعلَّ رجلاً يسرقُها فيأثَم وقالوا‏:‏ إنّ الخلفاء والأئمَّة أفضلُ من الرعيّة وعامَّة الحكّام أفضلُ من المحكوم عليهم ولهم لأنَّهم أفقه في الدِّين وأقْومُ بالحقوق وأرَدُُّ على المسلمين وعِلْمهم بهذا أفضلُ من عبادة العُبَّاد لأنّ نفعَ ذلك لا يعدو قِمَمَ رؤوسهم ونفع هؤلاء يَخُصُّ ويُعمّ والعِبادةُ لا تُدَلِّه ولا تورثُ البَلَهَ إلاّ لمَنْ آثَرَ الوحدة وتَرَك معاملةَ النَّاس ومُجالَسَة أهلِ المعرفة فمن هنالك صاروا بُلْهاً حتَّى صار لا يجيءُ مِنْ أَعْبَدِهم حاكمٌ ولا إمام وما أحسَنَ ما قال أيُّوبُ السَّخْتيانيُّ حيث يقول‏:‏ في أصحابي مَن أرجو دعوتَه ولا أقبل شهادته فإذا لم يُجَزْ في الشَّهادة كانَ من أن يكون حاكماً أبعد وقال الشاعر‏:‏ من البسيط وعاجزُ الرَّأي مِضياعٌ لفُرصته حتّى إذا فات أمرٌ عاتب القَدَرَا إذا ما الشَّيخُ عُوتب زاد شَرّاً ويُعتِب بعد صَبْوته الوليدُُ وقال عليُّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه‏:‏ مِن أفضل العبادة الصَّمتُ وانتظار الفَرَج وقال الشاعر‏:‏ من البسيط إذا تضايَقَ أمرٌ فانتظِر فرجاً فأضيقُ الأمر أدناهُ من الفَرَجِ وقال الفرزدق‏:‏ من الطويل أنِّي وسَعداً كالحُوار وأمّه إذا وطِئَتْهُ لم يَضِرْهُ اعتمادُها وقال أعرابيٌّ‏:‏ من الطويل تُبصِّرُني بالعَيش عِرسي كأنما تُبصِّرني الأمرَ الذي أنا جاهلُه يعيش الفتى بالفقر يوماً وبالغِنى وكُلٌّ كأنْ لم يَلْقَ حين يزايلُه وقال آخر‏:‏ من الطويل شهدتُ وبيتِ اللَّه أنَّكَ بارد ال - ثَّنايا لذيذٌ لَثْمُها حين تلثَمُ وقال آخر‏:‏ من الكامل اللَّه يعلمُ يا مغيرةُ أنَّني قد دُسْتُها دَوْسَ الْحِصان الهَيْكلِ وأخذتها أخْذَ المقصِّبِ شاتَه عَجْلانَ يَشْوِيها لقومٍ نُزَّلِ شَهِدْتُ وبيتِ اللَّه أنّكَ بارد الثنا - يا وأن الكَشْحَ منك لطيفُ وأنَّك مشبوحُ الذِّراعين خلجمٌ وأنّك إذ تخلو بهنَّ عنيفُُ وقال آخر‏:‏ من الوافر فهلاَّ من وَزَانٍ أو حُصينٍ حمَيتُمْ فَرْجَ حاصنةٍ كَعَاب وأُقسِمُ أنَّهُ قد حَلّ منها محلَّ السَّيف من قَعْرِ القِرابِ وقال آخر‏:‏ من الوافر أتَرجُو أن تَسود ولن تُعنَّى وكيف يسودُ ذُو الدَّعة البخيلُ وقال الهذليّ‏:‏ وإنَّ سيادةَ الأقوامِ فاعلمْ لها صَعْدَاءُ مَطْلَعُها طويلُُ وقال جريرُ بن الخَطَفي‏:‏ من الطويل تريدينَ أنْ أرضى وأنتِ بخيلةٌ ومن ذا الذي يُرضي الأخلاّءَ بالبُخلِ وقال إسحاقُ بنُ حسَّانَ بن قُوهِيّ‏:‏ ودونَ النَّدَى في كلّ قلبٍ ثنيَّةٌ لها مَصعدٌ حزْنٌ ومنحدَرٌ سهلُ وَوَدَّ الفتى في كلِّ نَيلٍ يُنيلُه إذا ما اتقضَى لو أنَّ نائلَه جَزْلُُ عزمتُ على إقامة ذي صَباحٍ لأمرٍ ما يُسَوَّدُ مَن يَسُودُُ وقال‏:‏ من الطويل وتَعجبُ أنّ حاولتُ منك تنصُّفاً وأعجبُ منه ما تحاوِلُ مِن ظُلمي أبا حسنٍ يَكفيك ما فيك شاتماً لعِرضك من شَتْم الرِّجال ومن شتمي وقال الآخَر‏:‏ من الوافر كما قال الحمارُ لسِهمِ رَامٍ لقد جُمِّعتَ من شتَّى لأمر أراك حديدةً في رأس قِدْحٍ ومتنِ جُلالة مِن ريش نَسْرِ وقال الآخر‏:‏ من الوافر إذا ما مات مثلي ماتَ شيءٌ يموت بموته بَشَرٌ كثيرُ وأشعَرُ منه عَبْدة بن الطَّبيب حيث يقول في قيس بن عاصم‏:‏ من الطويل فما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحدٍ ولكنَّه بنيانُ قومٍ تَهَدَّمَا وقال امرؤ القيس في شبيه بهذا المعنى‏:‏ من الطويل فلو أنَّها نفسٌ تَموتُ سَوِيَّةً ولكنَّها نَفسٌ تُسَاقِطُ أنْفُسا وقال الآخر‏:‏ من الطويل وقال مَعْنُ بن أوس‏:‏ من الكامل ولقد بدا لي أنَّ قلبَكَ ذاهلٌ عنِّي وقلبي لو بدا لك أذْهَل كلٌّ يجامِلُ وهو يُخفي بُغضَه إنَّ الكريم على القِلَى يتجمَّلُُ وقال ركَّاض‏:‏ من الطويل نُرامي فنَرمِي نحن مِنهُنّ في الشَّوَى ويَرمين لا يَعْدِلْنَ عن كبدٍ سهما إذا ما لبِسْنَ الحليَ والوشيَ أشرقَتْ وجوهٌ ولَبَّاتٌ يُسلِّبْنَنَا الحِلْما ولُثْنَ السُّبوبَ خِمْرَةً قُرَشِيّةً زُبيريّة يُعْلَمْنَ في لَوثها عِلْما وقال آخر‏:‏ من المتقارب أعلِّلُ نفسي بما لا يكون كما يَفعلُ المائق الأحمَقُُ وقال آخر‏:‏ مجزوء الكامل تولَّتْ بهجة الدُّنيا فكلُّ جديدها خَلَقُ وخانَ النَّاس كلُّهمُ فما أدري بمَنْ أثِقُ رأيتُ معالمَ الخيرا - تِ سُدَّت دونَها الطّرُقُ لنا جِيرةٌ سَدُّوا المجازةَ بيننا فإنْ ذكَّرُوكَ السَّدّ فالسَّدُّ أكيَس ومِن خير ما أَلصقْتَ بالدّار حائطٌ تَزِلُّ به صُقْعُ الخطاطيف أَمْلَسُُ وقال آخَر‏:‏ من الرمل عُقِمَتْ أمٌّ أتَتْنَا بكمُ ليس منكم رَجُلٌ غيرُ دَنِي وإذا ما الناس عَدُّوا شرفاً كنتمُ من ذاك في بالٍ رَخِيُ وقال آخر‏:‏ مجزوء الرمل قد بلوناكَ بحمدِ اللَّه إن أغنَى البَلاءُ فإذا كلُّ مو اعي - دِك والجحدُ سواءُُ وقال آخر‏:‏ مجزوء الكامل ولقد هززتُكَ بالمدي - حِ فكنتَ ذا نفسٍ لكيعهْ أنت الرّقيع بن الرّقيعِ بنِ الرَّقيع بن الرَّقيعَهْ وقال‏:‏ من الطويل لكلِّ أُناسٍ سُلَّمٌ يُرتَقى به وليس إلينا في السّلاليم مَطلعُ وقال آخر‏:‏ مجزوء الرمل لو جَرَتْ خيلٌ نُكوص - اً لجرتْ خيلُ ذُفافَه هي لا خيلُ رجاءٍ لا ولا خيلُ مَخافَهُ وقال الخُرَيميّ‏:‏ من الكامل اخلَعْ ثيابَك من أبي دُلَف واهرُبْ من الفجفاجة الصَّلِف لا يُعْجِبنَّك من أبي دُلَفِ وجهٌ يضيءُ كدُرَّةِ الصُّدَفِ إني وجدت أخي أبا دلَفِ عندَ الفَعال مُوَلَّدَ الشّرَفُ وأنشد ابنُ الأعرابي‏:‏ من الرمل أهلكَتْني بفُلانٍ ثِقَتي وظُنونٌ بفلانٍ حَسَنَهْ ليس يَستوجِب شكراً رجلٌ نلتُ خيراً منه مِن بَعدِ سَنَهْ كنتُ كالهادِي من الطَّير رأى طمَعاً أدخله في مَسْجَنَهْ زادني قربُ صديقي فاقةً أَورثَتْ من بعد فقر مَسْكَنَهْ وأنشدنا‏:‏ من الطويل وقارِبْ إذا ما لم تكن بكَ قُدْرَةٌ وصمِّم إذَا أيقنتَ أنَّك عاقرُهُ وقال بعضُ ظرفاء الأعراب‏:‏ من الكامل وإذا خشيتَ من الفُؤاد لَجَاجةً فاضربْ عليه بجُرْعةٍ من رائبِ وهذا من شكل قوله‏:‏ من الوافر ذكرتُكِ ذِكرةً فاصطدتُ ظبياً وكنت إذا ذكرتُكِ لا أَخيبُ وقال بعض المُحْدَثين‏:‏ من السريع ما أشْبَهَ الإمْرَةَ بالوصْلِ وأشبَهَ الهِجْرانَ بالعَزْل وقالت الخنساء‏:‏ من البسيط لم تَرهُ جارة يمشي بساحتها لرِيبةٍ حين يُخلي بيتَه الجارُ مثلُ الرُّدينيّ لم تَدْنَس عمامتُه كأنه تحت طيّ البُرْدِ إسوارُُ وقال آخر‏:‏ ناديت هَيْذَان والأبوابُ مُغْلَقَةٌ ومِثْلُ هيذانَ سَنَّى فتحةَ البابِ كالهُنْدُوانيِّ لم تُفْلَل مَضاربُه وَجْهٌ جميلٌ وقلبٌ غير وجَّابِ وقال آخر‏:‏ من الطويل ولستُ بقَوَّالٍ إذا قام حالبٌ‏:‏ لك الويلُ لا تَجْهَدْ لعلّك تُرضِعُ ولكن إذا جادت بما دُونَ حَلْبها جَهِدْنا ولم نَمذُق بما نتَوَسّعُ وقال آخر‏:‏ من الطويل تَمَنَّى رجال أن أموت وغايتي إلى أجلٍ لو تعلمونَ قَريبِ وما رغبتي في أرذَلِ العُمر بعدما لبِست شبابي كلَّه ومَشِيبي وأصبحتُ في قَومٍ كأنْ لستُ مِنهم وبادَ قُرُوني منهمُ وضُرُوبيُ وأنشد‏:‏ من الطويل رأيت النَّاسَ لمّا قلّ مالي وأكثرتُ الغَرامةَ ودَّعوني فلمّا أن غنِيت وثاب وَفْري إذا هُمْ لا أبالَكَ راجَعُونيُ وقال الآخر‏:‏ وكنَّا نَسْتَطِبُّ إذا مرِضْنا فصار سَقامُنا بيَدِ الطّبيبِ فكيف نُجيزُ غُصَّتَنا بشيء ونَحْنُ نَغَصُّ بالماء الشَّريبُ وقال عديُّ بنُ زيد‏:‏ من الرمل وقال التُّوتُ اليَمانيّ ويروى التُّوب بالباء والتُّوت هو الصَّواب وهو المعروف بتُويِتٍ فكبره هناُ‏:‏ من الطويل على أيِّ بابٍ أطلبُ الإذْنَ بعدما حُجِبْتُ عن الباب الذي أنا حاجبُه وقال الآخر‏:‏ من البسيط لا تَضجرَنَّ ولا تَدْخُلْكَ مَعْجَزَةٌ فالنُّجحُ يَهلِكَ بين العجز والضَّجَرِ وقال محمد بن يَسير‏:‏ من البسيط إنَّ الأمورَ إذا اسْتدَّت مسالكُها فالصَّبر يفتح منها كُلَّ ما ارتُتِجَا لا تَيْأَسَنَّ وإن طالتْ مطالبةٌ إذا استعنْتَ بصبرٍ أن تَرى فَرجا أخلِقْ بذي الصبر أن يحظَى بحاجتِه ومُدْمنِ القَرع للأبوابِ أن يَلجَا لا يمنعنّك يأسٌ من مُطالَبَةٍ فَضَيِّق السُّبْل يوماً رُبَّما انْتُهِجَا وقال بعضُ ظُرفاء الأعراب‏:‏ من الطويل وإنَّ طعاماً ضمَّ كفيِّ وكفّها لعمرك عندي في الحياة مُبارَكُ فمِن أجْلِها أستوعِبُ الزّاد كلَّه ومِن أجْلها تُهِوي يدي فتُدَارِكُ وقال‏:‏ فكم قد رأينا من لئيمٍ موطّأ صَبورٍ على مَسِّ السِّياط وَقُورِ وذي كَرَمٍ في القوم نَهْدِ مُشيَّع جَزوعِ على مسِّ السياط ضَجُورِ وقال أُحَيحة بن الجُلاَحِ‏:‏ من البسيط استغْنِ عن كلِّ ذي قُرْبَى وذي رَحمٍ إنَّ الغَنيّ مَن استغنى عن الناسِ والبَسْ عدوَّك في رِفقٍ وفي دعَةٍ لِباسَ ذي إربة للدَّهْر لبَّاسِ ولا تَغُرَّنْك أضغانٌ مُزَمَّلَةٌ قد يُضْرَبُ الدَّبرُ الدَّامي بأحْلاسِ وقال أُحيحةُ أيضاً‏:‏ من البسيط استغْن أوْ مُتْ ولا يَغْرُرْك ذو نشَبٍ مِن ابن عمٍّ ولا عَمٍّ ولا خالِ إنّي أُكِبُّ علَى الزَّوْراء أعمُرها إنَّ الكريمَ على الإخوان ذو المالِ يَلوُون ما عندهم من حَقِّ أقرَبهِمْ ومن عشيرتهم والمال بالوالي وقال آخر‏:‏ من الطويل سأُبغيكَ مالاً بالمدينة إنَّني أرى عازبَ الأموال قلَّت فواضِلُهُ وقال آخر‏:‏ من الطويل لم يَصْفُ حُبٌّ لمعشوقَين لم يَذُقَا وَصْلاً يُمِرُّ على من ذاقهُ العسل وقال بعض سفهاء الأعراب‏:‏ لا خيرَ في الحُبِّ أبا السَّنَوَّرِ أو يلتقي أشْعَرُها وأَشعَرِي وأُطبِقَ الخُصيةَ فوق المَبْعَرِ وقال آخر‏:‏ من الوافر وحظَُّك زَورةٌ في كلِّ عامٍ موافَقَةً على ظهر الطَّرِيق سلاماً خالياً من كلِّ شيءٍ يعودُ به الصَّديقُ على الصَّديقِ وقال عُطارِد بن قُرّان‏:‏ ولا يَلبَثُ الحبلُ الضَّعيف إذا التوى وجاذَبَه الأعداءُ أن يتجذَّما وما يستوى السَّيفانِ‏:‏ سيفٌ مؤنَّثٌ وسيفٌ إذا ما عَضَّ بالعَظْمِ صَمّمَا وقال طُرَيح بن إسماعيلُ في الوليد بن يزيدَ بن عبد الملك‏:‏ من الطويل سعيتُ ابتغاءَ الشُّكر فيما صنعتَ بي فقصَّرْت مَغْلُوباً وإنِّي لَشاكرُ لأنك تعطيني الجزيل بُدَاهةً وأنت لمَا استكثرتُ من ذاك حاقِرُ قواصِرُ عنها لم تُحِطْ بصِفاتها يُرادُ بها ضَرْبٌ من الشِّعر آخِرُُ وقال آخَرُ مسلم بن الوليد‏:‏ من الطويل لعلَّ له عُذراً وأنت تلُومُ وكم لائمٍ قد لامَ وهو مُليمُ وأنشد أيضاً‏:‏ من الطويل فكم مِن مُليمٍ لم يُصَبْ بمَلامَةٍ ومتَّبَعٍ بالذنب ليس له ذَنبُ وكم مِن محبٍّ صَدَّ مِن غير عِلّةٍ وإن لم يكن في وصل خُلَّته عَتْبُ كما قال الأحنف‏:‏ رُبّ مَلُومٍ لا ذنبَ له وقال ابنُ المقفَّع‏:‏ من المتقارب فلا تَلُمِ المرءَ في شانه فرُبّ مَلُومٍ ولم يُذْنبِ وقال سعيدُ بنُ عبد الرحمن بنِ حسَّانَ بن ثابت الأنصاريّ‏:‏ من الطويل وإنّ امرأً يُمسي ويُصبحُ سالماً من الناس إلاّ ما جَنَى لسَعيدُُ